امرأة تعيسة حد اليأس بقلم: يمينة حمدي

  • 6/30/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المرأة التي تختار الخروج من ماراثون الزواج وتفضل العزوبية يجب أن تتمتع بقوة شخصية كافية، لتكون قادرة على التعامل مع سهام المجتمع المميتة، والتي يمكن أن تصيبها في الصميم حتى وإن كانت معنوياتها مرتفعة.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/06/30، العدد: 10677، ص(21)] اشتكت لي إحدى زميلاتي من حدة طباع شقيقتها، التي لم تعد تجد سبيلا وديا للتفاهم معها، بعد أن أصبحت على حد وصفها كثيرة الجدال والخصومات معها، ولا تتورع عن اختلاق المشاكل لأتفه الأسباب. ومثل هذا الأمر جعل زميلتي تشعر بالتوتر وبالضغط النفسي حتى وهي في العمل، وبات من الصعب عليها التركيز على شغلها، فعقلها شارد ووجهها متجهم طوال الوقت، وتجد أحيانا صعوبة في السيطرة على مستويات التوتر لديها، التي انعكست على نفسيتها وعلى علاقتها مع زوجها وأطفالها. لم تعد زميلتي تعرف كيف تتصرف مع شقيقتها أو كيف ترضيها، لكي تكف عنها أذى لسانها الذي قلب موازين حياتها، وجعلها تعيش في دوامة من النكد اليومي. وبالرغم من ذلك، فزميلتي تشعر أن شقيقتها جزء منها، وارتباطها الدموي بها يمنعها من أن تطردها من منزلها أو تتخلى عنها، كما أنها تشفق عليها لأنها تجاوزت الأربعين من عمرها ولم تتزوج، ولا تملك عملا ثابتا لتعيل نفسها، ولا أحد يمكن أن يكفلها بعد أن توفي والديهما. وترجّح زميلتي أن السبب الذي قلب سلوك شقيقتها رأسا على عقب هو بقاؤها عزباء، فشقيقتها لطالما حلمت بفارس الأحلام الذي سيحقق جميع طموحاتها، ويجعلها تعيش في رغد وهناء، وتكون حياتها أشبه بالجنة على وجه الأرض. ولكن الزمن مر سريعا وسنوات العمر الجميل أفلتت منها من دون أن يأتي فارس أحلامها ويحملها معه إلى فردوسها الذي رسمته في خيالها، وعاشت على أمله على امتداد سنوات طويلة. تقول زميلتي إن شقيقتها قد ضيعت الكثير من فرص الزواج، لأنها تحلم بمواصفات معينة في شريك عمرها، وهي اليوم تتجرع مرارة الندم، إلا أن أكثر ما يصيبها بالإحباط إلى حد اليأس وكره الحياة، هو الأسئلة التي تطرح عليها من الأقارب والجيران في العديد من المناسبات، إذ لا يكفون عن تقليب مواجعها وممارسة الضغوط عليها، بسؤالهم المعتاد عن أسباب عدم زواجها، فلا تجد هذه الأخيرة غير الرد الوحيد الذي تملكه “كل شيء قسمة ونصيب”، ولكن ملامحها المتوترة تكشف عن حجم رغبتها في التخلص من وصم “عانس” الذي يلاحقها ويعكر صفو حياتها، ويدفعها إلى الانفراد يوميا بنفسها والبكاء بحسرة خلف باب إحدى الغرف المظلمة. طموحات شقيقة زميلتي قد تكون مشروعة ومن حقها الزواج من الرجل الذي تريده، وسواء تزوجت أو بقيت عزباء، فالخيار في النهاية يبقى لها. ولكن المؤسف أن مطحنة المجتمع أتعبتها، وبسبب كثرة الهمز واللمز عن حياتها الشخصية، حاصرتها الهموم والضغوط النفسية، فأصبحت لا ترى مكامن السعادة الكثيرة في حياتها مما جعلها تنغص حياتها وحياة شقيقتها. وهذه القصة تلفت الأنظار إلى مشكلة عامة في المجتمعات العربية وهي عزوبية المرأة التي تجاوزت الثلاثين من عمرها، وسباقها الماراثوني من أجل الحظوة بفرصة زواج هدفها أولا وقبل كل شيء إرضاء المجتمع والإفلات من سياط الجلد المعنوي التي تنكل بها وتجعلها مهما بلغت من درجات العلم والمعرفة والنجاح، ناقصة وتحتاج إلى ظل رجل لتكتمل هويتها. أما المرأة التي تختار الخروج من ماراثون الزواج وتفضل العزوبية، فإنها يجب أن تتمتع بقوة شخصية كافية، لتكون قادرة على التعامل مع سهام المجتمع المميتة، والتي يمكن أن تصيبها في الصميم حتى وإن كانت معنوياتها مرتفعة. كاتبة تونسية مقيمة في لندنيمينة حمدي

مشاركة :