لم تتعلم الدوحة من التجارب التي مرت بها، ولم تستفد منها في معالجة الأخطاء المدمرة التي ارتكبتها في السابق، في حق أشقائها في السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وظلت تكرر الأخطاء نفسها، فبعد ثلاث سنوات من عزلها وتحديداً في مارس/آذار 2014، لا تزال تمارس نفس السياسة على الرغم من الفرصة التي مُنحت لها، بحل المشاكل العالقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والالتزام بقواعد العمل الدبلوماسي المتعارف عليها بين دول العالم، إلا أنها أصرت على نقض غزلها، لتدخل في مرحلة جديدة، فشلت خلالها في تصحيح سلوكها العدائي، أو حتى توضيحه أمام الرأي العام العالمي.وناقش برنامج «ما وراء الخبر»، الذي يبثه تلفزيون البحرين، الفرص التي أهدرتها الدوحة في حلقة استضاف فيها وكيل وزارة الخارجية البحريني الأسبق، السفير حمد العامر، والمستشار الإعلامي السعودي محمد الحربي، والمحلل السياسي اليمني بليغ المخلافي، والباحث الاستراتيجي البحريني أشرف كشك، والكاتبة الصحفية منى المطوع. وقال السفير العامر، إن عام 2014 كان فرصة ذهبية للدوحة لتعديل سلوكها وعلاقاتها مع دول المجلس، مشيراً إلى أن مجلس التعاون مرّ خلال العقود الماضية بالعديد من المشاكل، التي أصابت الإقليم وعلى رأسها الحرب العراقية الإيرانية، واحتلال الكويت، والحرب على العراق واليمن، والربيع العربي وغيرها، وهي مشاكل خطيرة للغاية، ولكن المجلس تجاوزها بالكثير من الحكمة والدبلوماسية. وقال العامر: «على الدوحة وقف مسبّبات الأزمة الحالية وهي معروفة للجميع، وعليها أن تلتزم بما تعهدت به عام 2014، حيث وقع الأمير تميم على اتفاق الرياض التكميلي، وكنت ضمن الوفد البحريني في التفاوض، حيث كان هناك الكثير من المكاشفة والوضوح والمصارحة، خاصة ما يتعلق بعدد من الأشرطة التي تدل على التآمر ضد البحرين، والتآمر بين ليبيا وقطر على السعودية، والهاجس البحريني الكبير، وهو موضوع التجنيس وقناة الجزيرة، وضرورة وقف نشاطاتها المعادية».واعتبر العامر أن الأزمة الحالية من أخطر الأزمات، مشيراً إلى أنها ربما تكون سبباً وراء انهيار المجلس، ولكنها في ذات الوقت قد تكون السبب المباشر في قيام الاتحاد الخليجي، الذي هو المطلب الأهم لشعوب مجلس التعاون، وهو الطريق الصحيح، والتطور الطبيعي لمسيرة المجلس.وعن إمكانية إعادة سيناريو 2014 بأن توقع الدوحة على التعهدات ثم ترفض التنفيذ، أشار العامر إلى أن دول الخليج نزعت عباءة المجاملات مع الدوحة؛ لأن الأزمة الحالية تمس كيان المجلس ككل، وتعمل على تغيير خريطة مجلس التعاون والدول العربية كافة، وهي إحدى حلقات مسلسل الربيع العربي، الذي كانت الدوحة أحد أدواته.وقال المستشار الإعلامي السعودي، محمد الحربي، إن قطر لا تزال تمارس سياسية الهروب إلى الأمام، حيث الإساءة للأشقاء، وتزوير الحقائق، والارتباك الإعلامي، مضيفاً أن دول الخليج لم تتخذ موقف العداء والتجييش؛ لأن هناك قضايا هامة وخطيرة مع قطر، ويجب التعامل معها، حيث شقت قطر الصف الخليجي إلى حد كبير، ولا توجد له إلى الآن أي بوادر للحل.وأضاف الحربي أن حجم الأموال الكبيرة التي دفعتها قطر حول العالم لدعم الإرهاب، لن تقبل بالتنازل عنها اليوم بلا مقابل، وكذلك ما تم تقديمه للإخوان المسلمين، وهو ما يؤشر إلى أن الأزمة لن تُحل في القريب العاجل، وستتخلى قطر عن البيت الخليجي مقابل التحالف مع إيران، وتركيا، والإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية، حيث لا تزال تعيش عهد أوباما.وعن مستقبل الأزمة القطرية أشار الحربي، إلى أن عدم العودة إلى البيت الخليجي، وعدم التخلي عن الإرهاب ودعمه، أمور ستزيد أمد المقاطعة لسنوات، وهو ما سيسرع بحراك شعبي في الداخل.وأشار الخبير الاستراتيجي، أشرف كشك، إلى أن تحركات دول الخليج كانت تتمير بثلاثة أمور، أولها: أنها كانت على مستوى رفيع جداً، ومثّلتها زيارة العاهل البحريني إلى جدة، والقاهرة، وأبوظبي، وكذلك جولات أمير الكويت. ثانيا: أن الخطاب موحّد بالنسبة لدول الخليج العربي ومصر. ثالثاً: أن هناك كتابات لدبلوماسيين خليجيين في الولايات المتحدة والغرب، لإيضاح الصورة الحقيقية للرأي العام العالمي، وقد نجح في إجهاض المحاولات القطرية لتدويل الأزمة وإخراجها عن مسارها، مضيفاً أن المسؤول الأساسي عن الأزمة هو قطر، التي تسعى لترويج بعض المفردات، لكنها لم تنجح لأن مراهنتها على مسائل ثابتة مثل التحالفات والقدرات المالية غير موفقة، في الوقت الذي تنسى فيه كل المتغيرات التي تحدث في العالم، إلى جانب ضرورة عدم الثقة بإيران؛ لأن طهران لها أطماع في المنطقة، وقطر جزء من تلك الأطماع.من جانبها أشارت الكاتبة الصحفية منى المطوع، إلى أن الدبلوماسية القطرية تتحرك خارج المنطقة، وتحديداً في أوروبا، وهذا الأمر يزيد الوضع تعقيداً وصعوبة؛ لأن الحل لن يكون في لندن، أو واشنطن؛ إنما في الرياض وداخل البيت الخليج. وأشار المحلل السياسي اليمني بليغ المخلافي، إلى أن ما حدث نتاج طبيعي للممارسات الدبلوماسية القطرية خلال السنوات الماضية، وهي جزء من مشروع كبير في المنطقة، وقد تم استغلال قطر وقدراتها لتكون جزءاً من تنفيذ هذا المشروع.وأضاف المخلافي أن الحراك الدبلوماسي الخليجي، ومحاولة الوساطة لم تلق أي آذان صاغية من الدولة القطرية، وهو ما يمكن أن نصفه ب «الكِبر» في مواجهة التحديات؛ لذلك على قطر أن تعي أن عزلتها الإقليمية لا يمكن أن تعوّضها بالتحالف مع إيران وتركيا، فهما ليسا بديلين عن المحيط الخليجي، وعلى القيادة القطرية أن تعي هذا الأمر، وأن تساهم في بناء مشروع للمنطقة، قائم على حسن الجوار والمصالح المشتركة. (بنا)
مشاركة :