زكرياء حبيبي تأكد اليوم بما لا يدع للشك مجالا أن العربان فعلوا بأنفسهم ما لا يفعله العدو بعدوه، فالعربان الذين لا يوجد في قاموسهم وممارساتهم أي مصطلح رديف ل”الديمقراطية”، فاجأونا في بداية سنة 2011 عندما قادوا “ثورات” الربيع العربي، وساندوها بالمال والسلاح، لنشر الديمقراطية وتخليص الشعوب العربية من”الدكتاتورية”، وصرفوا مئات الملايير من الدولارات لتدمير ليبيا وسوريا والعراق واليمن، وكسروا كل الحواجز مع العدو الصهيوني وتحالفوا معه لمُحاصرة إيران ووقف مدّها في منطقة الشرق الأوسط، فها هو وزير الحرب الصهيوني ليبرمان يدعو الملك السعودي جهرا لدعوة نتانياهو لزيارة الرياض، وها هي الطائرات الإسرائيلية تقصف اليمن بحسب ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. هذه التحولات التي يطول سردها، لا يمكن لها سوى أن تؤدي بنا إلى نتيجة حتمية وهي أن الأعراب بدأوا في تخريب بيوتهم بأنفسهم، فهم راهنوا على إضعاف وتدمير العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا وقبلها الجزائر، ظنّا منهم أن ذلك سيؤهلهم للعب دور محوري في المنطقة، لكن الأكيد أن حسابات العُربان ارتدت عليهم، وباتوا اليوم يدفعون الفاتورات الأولى لمؤامراتهم، ولا أدلّ على ذلك من انقلاب موازين القوى في المنطقة ككل، فالأعراب انسحبوا من لعب الأدوار الأولى في الصراع القائم بمنطقة الشرق الأوسط، وبدأنا نرى جليا الدخول المباشر للولايات المتحدة الأمريكية إلى حلبة التنافس على مراكز النفوذ، فأمريكا عزّزت تواجدها بالجنوب السوري وبالأخص بمنطقة التنف على الحدود السورية العراقية، بعدما تأكدت أن بيادقها فشلوا في تنفيذ أجندة تقسيم سوريا وقطع طريق طهران –بغداد –دمشق- لبنان، ومؤخرا حركت أمريكا بطاريات صواريخ إلى الداخل السوري، ما يعني أنها تُخطط جديا لضرب القوات السورية التي نجحت في الوصول إلى الحدود مع العراق، لكن الأكيد أن التحرك الأمريكي جاء متأخرا، ومن المستحيل أن يُحقق أهدافه الإستراتيجية في المنطقة، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تواجه هذه المرة الجيش السوري لوحده، بل ستكون في مواجهة مع حلف المقاومة ككل المدعوم من قبل روسيا، ومواجهة كهذه لا يمكن أن تخرج منها أمريكا إلا مهزومة لا غير، فهي خرجت من العراق تجز أذيال الهزيمة برغم استقدامها لأكثر من 240 ألف جندي، أما اليوم فتحريك مثل هذا العدد من القوات على رمال متحركة يعتبر بحق مجازفة إن لم نقل انتحارا حقيقيا، فأمريكا تعي جيدا أن حجم القوة المطلوبة لضمان التواجد فقط في سوريا كبير للغاية، أمّا ضمان كسب المواجهة مع حلف المقاومة فيتطلب أضعافا مضاعفة وهو ما لا يمكن أن يتحقق لأمريكا، وأكثر من ذلك كلّه، أن حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط غرقوا في الصراعات مع الجيران وفي الصراعات فيما بينهم، فالسعودية التي توهمت بأنها قادرة على حسم الحرب في اليمن في بضعة أشهر، لم تعد قادرة حتى على حماية حدودها مع اليمن، برغم تشكيلها لتحالف كبير انضمت إليه إسرائيل سرّا وعلنا، كما أن دول الخليج وبالأخص منها السعودية والإمارات والبحرين وقطر، دخلت في دوامة من الصراعات، لا تبشر بالخير على الإطلاق، لأنالحامي الرسمي لدول الخليج، ونعني به أمريكا، قد غسلت يديها من الصراع السعودي الإماراتي البحريني مع قطر، واختزلته في كونه “صراع عائلي”، أي صراع العائلات الحاكمة، وهذه برأيي أكبر صفعة تتلقاها دول الخليج المذكورة آنفا، فالتصنيف الأمريكي لم يرقَ بها إلى مصاف الدول، ما يعني أن هنالك أمورا تُحضّر بليل لدول الخليج، خاصة بعد الإنقلاب الذي شهدته السعودية مؤخرا، عندما أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أمرا تم بموجبه إعفاء ولي العهد السابق الأمير محمد ابن نايف من منصبه، وتعيين ابن عمه الأمير محمد بن سلمان مكانه، الذي لا يُستبعد أن يتقلّد زمام الأمور في المملكة ويخلف والده في القريب العاجل، فهذا التحول في السعودية، سيشكل بداية الإنعطاف الحقيقي والشامل في سياسة المملكة، انعطاف سيُعبّد الطريق أمام التطبيع العلني مع إسرائيل، وتشكيل حلف معها لمواجهة ما تصفه السعودية والكيان الصهيوني ب”الخطر الإيراني”، وبرأيي أن هذا التطبيع الحاصل في الميدان حاليا، هو ما سيُحرّك الشارع العربي من جديد، ويُخلّصه من الأوهام التي زرعها فيه “الربيع العربي”، أي أنه سيُشكل صدمة للوعي العربي، ويُعري الحقائق التي ظلت مُستترة لعقود من الزمن، والتي تؤكد بأن فلسطين لم تتحرّر بسبب قوة الكيان الصهيوني، وإنما بسبب التآمر العربي بالأساس. فالعربان الذين ظلّوا يستخدمون إيران ك”فزّاعة” هاهم اليوم يفتحون الطريق واسعا للتواجد العسكري التركي في قطر، وفي شمال سوريا، وحتى داخل العراق مع الحدود بين البلدين، فالعربان وللأسف وعوض أن يمُدّوا يد المساعدة للعراقيين والسوريين للتخلص من الإحتلال والإرهاب، رأيناهم يدعمون كل المجاميع الإرهابية، ويُوجدون الذرائع للغزو الأمريكي وحتى الصهيوني لدولة عربية كسوريا، وبطبيعة الحال وما دام أن إيران قد هبّت لمساعدة العراقيين والسوريين، فبكلّ تأكيد أنها ستحظى بمُعاملة خاصة منهما، وستضمن تواجدا استراتيجيا بالمنطقة ككل، وهو التواجد الذي سيُسهم في تغيير خارطة التوازنات قريبا، والذي ستدفع ثمنه دول التآمر في الخليج غاليا، لأنها ستعود لقرون من الزمن إلى الوراء، وتستعيد سيناريو حروب داحس والغبراء، ولن يتدخل المجتمع الدولي لإصلاح ذات البين بينها، لأنّ”الصراع عائلي” وليس بين دول…..
مشاركة :