الكاتبة إيمان الزيات فترسم ملامح تلك البيئة الجغرافية وما يدور فيها من مشاغبات ومراهقات الشباب والبنات حتى الكبار حيث جارهم الذي كان يترقب أمها حين تخرج لغلق الشرفة، وكيف كانت هائمة بذالك الفتى الطائر حين كان يحرز أهدافا في الدورات الرمضانية معلنا أن هذا الهدف هو إهداء إلى حبيبة قلبه فقط فكانت تكتفي بالابتسامة والتنهد مع كل نظرة خاطفة منه. وتبلغ الاثارة ذروتها في تلك المربعات الثلاثة الأخيرة من تلك العتبة الأولي "عائلة بوسي- الروك – الرسالة" لتحلق بنا في منافسة عاطفية بينها وبين بوسي التي لا تمتلك من التعليم أي شيء ولا من الجمال رونقها وكدالك ممدوح السوهاجي الذي يمتلك جسدا صلب وقامة قصيرة لم ترق لها في يوم من الأيام وهيامه بها في كل تحركاته رغم علمه بأنها تبادل صديقه نبيل مشاعر خاصة حيث كان تعثره في الثانوية العامة بداية تحطم أحلامه. تأتي الكاتبة في نهاية تلك المربعات الحياتية للبطلة لتقلب كل موازين الحدث الدرامي بسبب تلك الرسالة التي وضعها نبيل في يدها إلا أن القدر وحده أرسل اليهم "أم بوسي" لتصنع من الحدث وشاية كبيرة أخفضت راس أمها المرتفعة في العمارة وتنكسر كل أحلامها بالفوز بـ "نبيل" وتنتهي بها الأيام بالزواج من "ممدوح" الذي لم يكن يوما حبيبا لها بعد فرار "نبيل" إلى زوجة لم تعش أبدا بداخله رغم إنجابه منها خمسة أولاد. وفي إطلالتها الثانية في هذه المجموعة القصصية تأخذنا الكاتبة الى إطار من الفكر الفلسفي والخيال العقلي من خلال عنوانها "إيقاعات من الجرانيت" لتؤكد لنا أن المخزون النفسي والعقلي الذي حفر في الصغر من المستحيل خروجه من هذا الجسد وأنه يحاول الخروج إلى المشارف الحياتية في صوره المتعددة، إما عفويا كما نرى في المربع الاول "اغماضة" حيث ينجلي النور الروحاني لحبه الأول وهو في أحضان زوجته وينام علي صدرها مما أصابها بالوجع والمرار الا انها تحاول ان تلتمس له ألف عذر فهي كذلك لديها ذالك المخزون العاطفي والوجداني لشخص آخر غائب عن جسدها، لكنه يسكن قلبها، وكم من مرة حاولت فتح باب الذكريات والتعايش معها الا انها كانت تهرب الى واقعها الحالي والتعايش معها رغم وجعها وانكساراتها الروحية، وفضلت أن يظل هذا الباب مغلقا للأبد تحت عنوان "وتركته مغلقا". وتتجلي إثارتها المجتمعية في المربع الأخير وهو بعنوان "عزيز" الذي يمثل حالة من حالات الإفصاح المعنوي عما كان يدور في الخفاء بعيدا عن الظواهر عندما صرخت زوجة صديقه حين توفي بكلمة "يا عزيز عيني" وكانت تلك الصرخة مدوية في نفسه وروحه لما لهذا الصديق من مكانه في عقله ووجدانه في شئون حياته، رغم ما يحمله من حب وعشق لتلك الزوجة الصارخة، وظن أن الأيام قد تمنح هذا الحب فرصة للطفو إلى علياء القلوب بعد الرحيل إلا أن تلك النظرة الصادمة للزوجة المكلومة له كانت لها معاني أخرى، في تلك اللحظة أحس أن ظهره أصبح عاريا، وكاد يصرخ للجميع أنه لم يكن خائنا لذالك العزيز الذي رحل بل هو من تزوج بحبيبته في يوم ما؟
مشاركة :