منذ إعلان رئيس إقليم كردستان العراق موعداً للاستفتاء الشعبي حول البقاء مع العراق أو استقلال الإقليم، والجدل يتصاعد حول هذا القرار الذي لم يجرؤ أي طرف كردي على معارضته كحلم قومي قديم، لكن بعد مرور نحو عشرين يوماً على هذا الإعلان، بدأت أصوات المعارضين تظهر في وسائل الإعلام تدريجياً. وكان استفتاء غير حكومي أجري بالتزامن مع انتخابات عام 2005، وكانت نتيجته مع الاستقلال بنسبة بلغت 98 في المئة، أما الآن فالأكراد يترقبون بحذر 25 سبتمبر المقبل موعد إجراء أول استفتاء رسمي حول الاستقلال في الإقليم وبقية المناطق الكردستانية (المتنازع عليها)، بينما حدد رئيس الإقليم مسعود بارزاني 6 أكتوبر موعداً للانتخابات البرلمانية، في تقارب ذي دلالة في التواريخ. ولعل هذا الحدث يمثل أول قرار كردي كبير يجري التحفظ عنه من كل الحلفاء المفترضين للمكون الكردي العراقي، من بغداد إلى واشنطن والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تركيا وإيران، وفي العراق شعر أصدقاء الأكراد بحرج شديد من توقيته المتزامن مع أشرس المعارك في الحرب على تنظيم داعش، إلى درجة بررت ظهور تصريحات هجومية ضد أربيل، هي الأولى من نوعها كمواقف تصدر عن الفريق الشيعي الموصوف بالاعتدال مثل عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، إضافة إلى رئيس الحكومة حيدر العبادي، رغم أنهما من أكثر الأطراف الشيعية حاجة إلى تمتين التحالفات مع بارزاني سياسياً وعسكرياً، بينما بقيت الطبقة السياسية السنية مكتفية بالصمت، إذ لا يمكنها أن تفتح جبهة مع كردستان الحليف الوحيد المتبقي حالياً، والذي يؤوي مئات الآلاف من العرب السُّنة الذين دمرت الحرب مدنهم. ولا يعارض القادة الشيعة، عادةً، رغبة الأكراد في الاستقلال، لكنهم يعترضون على التوقيت، ولذلك تناقلت المصادر الكردية أن العبادي طلب تأجيل الاستفتاء إلى ما بعد الانتخابات العراقية العامة المقررة في الربيع المقبل، كي لا يصبح «المعتدلون» محرجين أمام الجناح المتشدد المدعوم بالميليشيات الإيرانية في بغداد، بينما يبدو أن بارزاني يحتاج إلى هذا الحدث القومي قبل الانتخابات، لترجيح كفته على خصومه، في لحظة تصادم مصالح بالغة الدلالة بين حليفين تقليديين في بغداد وأربيل. أما داخل كردستان فإن معارضي بارزاني بدوا محرجين أول الأمر، فكل من يعارض الاستفتاء على حلم الدولة الكردية يوصف بالخيانة، لكن رئيس برلمان كردستان (الذي لم ينعقد منذ سنتين) ذكر في تصريحات أخيرة، وهو يعكس مزاج معظم المعارضين في السليمانية الخصم التقليدي لأربيل، أن الاستفتاء سيكون بمثابة «بيعة مطلقة» لبارزاني، ولا علاقة له بالاستقلال وحلم الدولة. وفي المقابل يذكر مقربون إلى رئيس الإقليم أنه يريد أن يرى استفتاءً رسمياً، وهو على قيد الحياة، كحلم رافق عائلته منذ مطلع القرن الماضي، ولذلك فإن الاستفتاء لن يعني انفصالاً فورياً بقدر ما سيكون مدخلاً لمفاوضات طويلة مع بغداد حول المستقبل، «ستكون بداية تشكيل الدولة الكردية»، حسب وصفٍ يشيع في أربيل. وتحذر النخبة الكردية من خطورة تنظيم استفتاء لا تشارك فيه أو تدعمه الأمم المتحدة والدول الكبرى والمجتمع الدولي، «لأن ذلك سيحول الحق الكردي إلى ورقة محترقة» أو ناقصة الشرعية. ويشدد أنصار بارزاني على أن هذه الخطوة تأتي بعد أن يئست أربيل من إمكانية إصلاح البيت العراقي، والتي تشعر يوماً بعد آخر بضرورة مغادرة المشكلة العراقية، وتنظيم وضعها إقليمياً ودولياً بمعزل عن بغداد التي قطعت حصة كردستان من الموازنة المالية منذ ثلاث سنوات، بعد خلاف حول تصدير النفط من حقول الأكراد، وهي أزمة تفاقمت بعد انهيار أسعار النفط، ومواجهة أكراد العراق وعربه أزمة مالية خانقة تضعف موقف بارزاني إزاء مليون موظف لم يتسلموا إلا 30 في المئة من مرتباتهم طوال العامين الماضيين. أما أخطر مفاصل الاستفتاء فهو أنه سيجري خارج الحدود الإدارية للإقليم الكردي في مدن متنازع عليها، مثل كركوك وديالى وأطراف الموصل، وكلها مناطق احتقان قومي وديني لاتزال تعاني ويلات الحرب على «داعش».
مشاركة :