أي دور لإيران في المنطقة بعد تغيّـر كل شيء في سورية ؟

  • 6/28/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سورية التي كانت لن تعود. لكن أي سورية ستكون، أو يمكن أن تكون، بعد أن شارفت حربها على السنة السابعة؟ لم تكن الشرارة الأولى التي انطلقت من تونس تستحق إعلامياً أكثر من بضعة أسطر في صفحة محليات مقتضبة، لكنها تحولّت حرباً كونية بجيوشها وأساطيلها الجوية والبحرية، ثم راحت مساحاتها وآفاقها تتوسع وتتقلّص حتى باتت محاصرة ضمن حدود سورية، مع الاحتفاظ ببعض الجيوب البرية المجاورة لتُفتح وتُغلق وفق مقتضيات الاستراتيجية المرسمة في خرائط أميركية وروسية تفرّعت منها خرائط إيرانية وإسرائيلية. خلال السنوات الست التي مضت لم تتوقف سورية البلاد، والشعب، والقوى، والحضارة، والاقتصاد، والتاريخ، عن التآكل، والتفتّت، والانحسار، في الداخل، لتروح تفيض وتنتشر في أصقاع الأرض ملايين هائمة على وجوهها من دون دليل ولا عنوان، ولا زادٍ، إلا من بعض الإيمان، لدى البعض، بأن هذه المحنة ستزول، وأن الشعب الذي تفرّق مثخناً بالجراح، سيعود ويعيد لسورية، مع من بقي فيها صامداً لإيمانه وقدره، نظاماً يتقي الله، مزوّداً بالعلم، وبالخلق والشجاعة، والخبرة، لإعادة بناء سورية دولة مدنية، ديموقراطية، حرّة، قوية، بجيشها وشعبها، لتنهض وتلحق بموكب العصر. هذا شيء من أدب الرجاء والحلم، لكنه ضروري لملايين السوريين داخل بلادهم وخارجها. هؤلاء الذين يعيشون حالياً حياتهم مع عائلاتهم بحسابات لا تتعدى الأيام والأسابيع، لكنهم، ولا ريب، يتابعون مجريات ما يدور في بلادهم، ولعلّهم باتوا يدركون، بالحدّ الأدنى من الواقعية والرؤية الصحيحة، أن سورية التي غادروها لم تعد ملك شعبها، وأن قرارها لم يعد قرار من يتكنى بمناصبها. فهناك دول أجنبية من الجوار، ومن الأبعاد، تتلاقى على أرضها وفي أجوائها، وعلى شواطئها، ولكل منها «أجندة» وحسابات مصالح ونفوذ وأهداف يتعدى مداها عقوداً من السنين. ولئن كان «التحالف الدولي» حول سورية يضم أكثر من ستين دولة، فإن خمس دول منها هي التي تتحكم حالياً بوضعها الراهن: روسيا، والولايات المتحدة، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، وهذه الدول الخمس هي التي ستقرر مصير سورية. وبخلاصة سريعة يمكن الإيجاز: روسيا: هي «الأم الحاضنة» للنظام السوري، وهي حاميته، ومرشدته، وضامنة بقائه واستمراره بصفتها «الوكيل الشرعي» لما بقي من الكيان السوري، أرضاً ومؤسسات، وسلطات، ونفوذاً، وصلاحيات، خصوصاً أن لدى الرئيس فلاديمير بوتين مئات الملفات المحفوظة في خزائن الكرملين، وهي تحتوي تاريخاً ثرياً للعلاقات بين موسكو ودمشق منذ ما قبل الانقلاب العسكري الأول الذي عطّل الحياة السياسية الديموقراطية في سورية، ولا يزال مستمراً مدى نحو سبعة عقود استثمر خلالها الاتحاد السوفياتي السابق في الأزمة السورية، عسكرياً، واقتصادياً، وثقافياً، وعلمياً، حتى باتت المؤسسات العامة والمعاهد والدوائر الاستخباراتية السورية تعادل مثيلاتها في الجمهوريات البولشفية. أكثر من ذلك، فإن سورية تدين للروس بكل ما هو متقدم في الصناعة الحربية، وفي التقنيات العسكرية المتطورة، مع إعداد عشرات ألوف الكادرات من الضباط والخبراء والاستخبارات. كل ذلك يشكل إرثاً من الأفضال التي لروسيا على سورية. ولو أن موسكو قررت فتح سجلات الديون المترتبة على دمشق لكان النظام السوري أعلن إفلاسه منذ زمن طويل. وبخلاصة: لولا روسيا لسقط النظام في سورية خلال أيام أو أسابيع قليلة أمام الثورة المباغتة التي بدأت من دون إعداد مسبق، ومع ذلك دخلت الثورة عامها السابع ولا تزال مستمرة، لكن أصعب ما تواجهه هذه الثورة أنها ممنوعة من تحقيق النصر، وليس في أفقها الجغرافي ما يبشّر بانفراجات، لا لحسابها، ولا لحساب النظام. لذلك تبقى روسيا مرجع القرار المجهول. أما الولايات المتحدة فلا يبدو من سلوكها أنها تتطلّع إلى بقاء طويل الأمد لوجودها العسكري على الأرض السورية، أو في جوارها، إنما هي تتشارك مع إسرائيل في رسم أكثر من خريطة مصغرّة لـ «سورية المستقبل» ضمن «سورية الطبيعية»، وقد يكون مشروع التقسيم غير مستبعد بالمطلق في حسابات واشنطن وتل أبيب. وإذا كانت واشنطن غير مستعجلة على الحل فلأنها تقوم بمهمة أخرى لحسابها وحساب سورية معاً من خلال عملياتها ضد «داعش» وتوابعها بمساعدة بعض دول التحالف، وإن اقتصر الأمر على المهمات اللوجستية، وفي الحالتين إسرائيل مدينة لـ «الدواعش» على ما فعلوا في العالم العربي. لكن، أين إيران على طول هذا المسار الدموي التدميري الذي لم يتوقف منذ ست سنوات؟.. إنها تواكبه. هي في سورية، وفي العراق، وفي اليمن تفعل ما يفعل «الدواعش». هي على طول ذلك الهلال الذي كان يسمى «خصيباً»، وصار «الهلال الأحمر». فمن يردع إيران التي تقوم بدور «إسرائيل ثانية» في الشرق الأوسط؟ من كل مكان جاءت إيران بالميليشيات لتقاتل السوريين الثائرين على نظامهم، وما اعتمدوا على أحد، وما كانوا في حاجة الى مساعدة من أحد لو أن إيران امتنعت عن التدخل بكل أسلحتها وأجهزتها للقضاء على الثورة. حتى روسيا كان يمكن أن تلتزم خطاً محايداً لو أنها اطمأنت إلى أن المواجهة داخل سورية ستظل محصورة بين الشعب والنظام، ولن تتدخل فيها قوى أخرى ذات مصالح وأهداف إستراتيجية أجنبية، كما هي الحال في التدخل الإيراني الذي تخطى كل الحدود. بل إن بعض المحللين المواكبين للثورة السورية لمّحوا إلى أن موسكو كان في إمكانها أن تبقى على الحياد أو أن توفر لهذه الثورة الدعم لكي تنتصر، فتبقى روسيا وفية للشعب السوري ولجمهوريته، ويستمر الحلف الثنائي قائماً ومتطوراً مع نظام سياسي مدني يحفظ سلامة العلاقات التاريخية القائمة بين الشعبين والدولتين عبر السنين. لكن، كل الحسابات السياسية المدنية فشلت، بل تعطلت مع التدخل الإيراني بكل الوسائل والإمكانات والأعتدة والفصائل المقاتلة والأسلحة المدمرة. وها أن سورية قد تغيّرت. كل شيء في سورية تبدّل. المدن، والأرياف، الجبال والسواحل. فكيف يمكن مواطناً سورياً مقيماً، أو نازحاً، أن يتصور ثلث الشعب (نحو ثمانية ملايين) باتوا في الخارج من دون عناوين... وفي المقابل تتدفق الأفواج الإيرانية على سورية بنظام مبرمج. هناك نظام يتلاشى يقابله نظام يتمدد على خط متعرج يخترق الحدود من طهران إلى جرود لبنان عبر العراق وسورية... يحدث ذلك في فراغ عربي إقليمي ودولي. ويحدث ذلك في غياب مؤتمر دولي مقرّه جنيف، وكانت مهمته أن يحافظ على دوام مواكبة أزمة سورية مع المحاولة للتخفيف من وطأتها على الشعب المنكوب، وقد ذهب ذلك المؤتمر في عطلة وكأنه بعثة كشفية تقوم بمهمة تطوعية، وإذ رأت من حقها أن ترتاح غادرت خيمتها وتفرقت، تاركة سورية لمصيرها القاتم.

مشاركة :