الحياة هي الجسر الموصل للموت، والموت بداية لحياة جديدة لا تعلم ما تُخفي خلف جدرانها، أبوابها مقفلة، لا يستطيع أحد تخمين خباياها وأسرارها. حين تُفصل الروح عن الجسد تفارقه مغادرة إلى السماء، برحلة لا يُعلم إن كانت شاقة أم سهلة، سريعة أم بطيئة. إن الأحياء لا يعلمون ما يشعر به الأموات، لا يعلمون إن كانوا يتألمون حين يذوقون سكرات الموت، ماذا يشاهدون حين يزورهم ملك الموت ليقبض أرواحهم. الأحياء حين يودعون جثة هامدة قبل دفنها وتشييع جنازتها، لا يعلمون إن كانت تراهم أو تسمع بكاءهم أو تشعر بوجودهم، فتلك الأمور من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله. الأحياء يزورون الرفاة التي دُفنت تحت التراب في القبور، ولا يعلمون كيف حالها في الحياة الأخرى، يجلس الحي بجانب قبر الميت يدعو له أو ربما يتحدث إليه. يتصل الأحياء بالأموات بعدة وسائل اتصال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم). الدعاء الذي يعد مخ العبادة هو الطلب الذي يرسله الأحياء إلى الله من أجل أمواتهم، متوسلين متضرعين إليه أن يرحم ويغفر لهم، الدعاء الذي يصل الأموات ببرقية مرسلة من الأحياء عبر السماء بمثابة الهدية التي تنم عن محبة أعزائهم من الأحياء الراحلين عنهم. الصدقة هي كل ما يودعه الأحياء في حساب الأموات من أموال يخرجونها رحمة لهم، بالتبرع بها للفقراء والمساكين، ككفالة الأيتام والتبرع لبناء مسجد أو مدرسة، وإطعام المحتاجين، وتوزيع الأضاحي والحلوى بنيّة الصدقة عن الأموات، وهي من أجمل الهدايا التي تصل الميت من الحي، لدرجة تمني الميت العودة للدنيا لتوزيع الصدقات على الفقراء لجمال أثرها الذي يلمسه الميت ويجده في آخرته. الأحياء تصلهم أخبار الأموات عبر المنام برسالة مغلفة ببرقية تكشف حال الأموات من راحة أو عذاب، ربما تحمل الرؤية بشارة أو تحذيراً من الميت للحي أو تخبر بأمر، ربما يعطي الميت الحي شيئاً أو يأخذ منه، أو يطلعه على أمر. بعض الأحياء لشدة تعلقهم بالأموات من يعز فراقهم عليهم، يشعرون أن أرواحهم تلاحقهم في كل مكان، وكأن صورهم شبح يطاردهم كظلهم، وبعضهم يتمنون وقوف الميت أمامهم أو جلوسه معهم أو مرافقته، يخيل إليهم أن الميت حي يرزق بينهم. في كل مناسبة، في كل وقت، في كل حين يتذكر الأحياء الأموات، الأشياء التي تركها الميت بعد رحيله عن الحياة تجعل الأحياء يتذكرونه، كما أنهم يتذكرون ما يحب ويكره. كما أن صور الأموات المعلقة على الجدران لا تترك مجالاً لنسيان الأموات، في الوقت الذي يتخذه البعض وسيلة اتصال وتواصل مع الميت. البكاء، والنياحة ولطم الخدود عند وقوع المصيبة التي يظهر فيها صبر المصاب من عدمه ومحبته للميت أم لا، تعد من وسائل الاتصال التي يبغضها الميت. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :