سعدية مفرح، شاعرة وكاتبة وأديبة من الكويت، صدر لها في طبعة جديدة ديوان: «يَقولُ اتْبَعيني يا غَزالة» عن دار بلاتينيوم، بعد أن صدر قبل أعوام في طبعة خاصة بالجزائر، لاختيارها عاصمة الثقافة العربية. توّجت الشاعرة مفرح أخيراً بجائزة المرأة العربية للعام 2014 فرع الأدب عن الكويت، وهي معتدة بأناها وتحب الغناء، على رغم صوتها المبحوح، تنحاز للحرية أينما كانت، تنتصر للقصيدة على الصورة، وتؤكد أن أزمان الجدب لا تليق بالنساء ولا بالشعراء. «الحياة» التقتها فكان هذا الحوار حول تجربتها الشعرية وقضايا أخرى. > «أريد أن أغني.. من دون أن أضطر لتأليف كلام.. أو أرتجل لحناً.. أو أرفع صوتي»، لمن تود سعدية مفرح الغناء، وبهذا الخفوت؟ ـ أريد أن أغني لنفسي بالتأكيد. أريد أن أسمعني مهما كان صوتي خافتاً أو مبحوحاً كما في الطبيعة. أريد أن أكون أنا دائماً، وألا يكون صوتي صدى لصوت الآخر، مهما كان صوت هذا الآخر جميلاً، ومهما بلغ إعجابي به. > في نص «حظ»، تقولين: «يا لحظه.. كان قد مات فعلاً.. حين فاجأته القصيدة! أهو حظ الشاعر العاثر من نحسده أم للقصيدة المنتظرة التي لا تجيء؟ ـ لا أجيد الحديث عما أكتب، وخصوصاً إذا كان نصاً شعرياً. أشعر أن النص يتحدث أفضل مني دائماً، لكنني هنا في هذا النص أستطيع القول بأنني أريد الاحتفاء بالقصيدة أكثر مما أحتفي بشاعرها. وربما أريد أن أبدي إعجابي بما تحقق للشاعر من قصيد يساوي الحياة نفسها. عموماً القصيدة عندي غالباً أهم من الشاعر، لكنني لا أدعو إلى موت الشاعر، وفقاً لنظرية موت المؤلف بقدر ما أحاول أن أنظر للقصيدة، وأحتفي بها أولاً. > أهديت الديوان إلى غزالات لا يتبعن أحداً، هل هذا تمرد على القطيع في زمن كل يتبع فصيله؟ ـ نعم. مع أن الاستقلالية لا تعني التمرد، والحرية لا تعني الشذوذ. أرى أنهما أصل الحياة أن يكون الإنسان حراً لا يتبع أحداً، ولذلك أحب أن تكون قصيدتي لهؤلاء الغزالات اللاتي لا يتبعن أحداً.. الذاهبات إلى أقاصي حريتهن بمحض الحب والجمال والقدرة على الاستقلالية والانحياز لقيمة الحرية. أية لذة لأي شيء يمكن أن يتحصل عليها الكائن البشري وهو يعيش في قطيع؟ لذة العيش في سياق القطيع مهما بلغت تبقى لذة مزيفة وغير حقيقية. > «البطل الحقيقي يلهو وحيداً»، هل تؤمنين بأدوار البطولة في الحب يا سعدية، في زمن بات الكل مدعياً للبطولة؟ ـ لا. ليس في الحب أدوار بطولة، ولا أدوار ثانوية أو كومبارس. ولا مكان للادعاء في الحب. الحب رهان الحياة الأول وشرط الاستمرارية في الوجود وهو الملاذ الأجمل، كما أراه. وكل هذه الصفات تجعله غير قابل للخضوع لمنطق البطولة وغير البطولة. هو حال إنسانية شمولية وقوية، على رغم رهافتها وشفافيتها. > تقولين: «أريد أن أموت.. من دون أن أضطر لذلك أحياناً.. أريده فقط.. ما هو؟ من هو؟ لا أريد الإجابة على أي حال»، من هذا الذي يتساوى في الأمنيات، حياة وموت؟ ـ لا أريد الإجابة على أية حال. قلت ذلك في القصيدة، ولا أظنني سأغير إجابتي خارجها! > لو أعطيت الخيار لتكوني شجرة في غابة، أو شجرة لشارع مليء بالعشاق على رصيف مهترئ، ما سيكون خيارك ولم؟ ـ أتمنى لو أن هناك خياراً ثالثاً لأكون شجرة في صحراء. طالما قمت بهذا الدور في حياتي. > «كلما تبخر ماؤه إلى الأعلى.. كثر المطر.. بحراً لا يجفُ»، أي غزير هذا في زمن الجدب؟ ـ لست متشائمة إلى حد أن أسمي زمني زمن الجدب. لست متشائمة على الإطلاق، بل إن هناك من يراني مفرطة في التفاؤل، وبما لا يليق بتفاصيل حياتي ولا يلائمها، لكنني مصرة على أن أعيش الأمل خياراً ضرورياً وحتمياً أيضاً. ثم إن أزمان الجدب لا تليق بالنساء ولا بالشعراء، حتى لو كان واقعهم عكس ذلك، فلم الاستسلام؟ ما زال الوقت متسعاً لأمطار كثيرة، ويمكننا أن نعيش انتظاراتنا لها بشكل أجمل، كأن نسمي زمن الجدب بزمن انتظار المطر. هذا ليس مجرد احتيال لغوي، بل هو احتيال على منطق الزمن بما نملك من أدوات أهمها التفاؤل، وبما نملك من أحلام أهمها الأمل، وبما نملك من قدرات أهمها العمل، وبما نملك من خيارات أهمها الحب. > «في الرسائل وحدها.. نضع نقطة في آخر السطر.. ونبدأ فقرة قديمة». إلى أي حد تسكنك الذكريات؟ ألا تتوق سعدية مفرح لساعي بريد بطرق نافذتها برسائل متأخرة؟ ـ أزعم أن أجمل الرسائل في حياتي وصلتني متأخرة عن موعدها المفترض، لكن ما يجعلني أتقبل تأخرها قبولاً حسناً هو أنها وصلت أخيراً. حتى لو وصلت متأخرة، فيكفي أنها لم تضع وأنني ما زلت قادرة على قراءتها. أما الذكريات، فهي وقود لا ينضب للكتابة والحياة. أسكنها وتسكنني، لكنني أحاول ألا أكون أسيرة لمنطقها مثلاً. وسواء أكانت ذكريات سعيدة أم حزينة، فإنها تبقى ماضياً لا ينبغي أن تتحكم في كل تصاريف حياتنا الحاضرة أو المستقبلية. أسكن ذكريات وتسكنني لكنني لا أسمح لها أن تفسد علي حاضري مثلاً إن كانت سيئة، ولا أتمنى أن تجعلني أكتفي بها في حاضري إن كانت جيدة. أستدعيها أحياناً وقت الحاجة، وغالباً وقت الكتابة حتى لو لم أكتب عنها بشكل مباشر. > صورتك التي شاغلتك، التي أربكتك، التي ملأتك، والتي أذهلتك، الموقعة باسمه الأول، أين يمكن أن تعلقيها، وهي آخر ماتبقى من ذكرى اللقاء؟ ـ لست من عشاق تعليق صور الذكريات على حوائط الأسى. لكنني ربما احتفيت بها في قصيدة ما. أظن أن القصيدة المكان المناسب للاحتفاظ بأي ذكرى سواء أكانت ذكرى عابرة أم مقيمة. كتبت ليلة البارحة مقالة عنوانها: «قلبي يتحدى الفوتوغرافيا» وكان حول هذا الأمر. أعني أنني بيّنت فيه أن الفوتوغرافيا لن تستطيع الفوز في تحدٍ كهذا، لكن القصيدة ربما تستطيع أحياناً. > كتاب «يقول اتبعيني ياغزالة» خرج للضوء في الجزائر، ولم يصلنا في الخليج في العام 2010، وهاهو بين أيدينا وقد خرج بحلة جديدة عن دار شابة (بلاتينيوم) في الكويت عام 2013، كيف جاءت فكرة إعادة طبعه وفي دار وليدة ولم؟ ـ في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب كتبت ما يلي: «صدرت هذه المختارات الشعرية للمرة الأولى في طبعة خاصة ومحدودة، قبل أعوام قليلة في الجزائر، وللجزائر فقط، بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية في ذلك العام. وعندما عرضت عليّ دار بلاتينيوم، التي اشتهرت بنشرها للكتّاب الشباب وحسب، لم أتردد بقبول العرض الكريم على رغم بعض المخاوف التي أبداها لي بعض الأصدقاء والزملاء من المغامرة في النشر عبر دار لها جمهورها الخاص من الشباب غالباً، ولكنني لهذه الأسباب تحديداً أقبلت على تنفيذ الفكرة مطمئنة وبحماسة أيضاً. فلست ممن يستهويهم التصنيف في سياق الإبداع على صعيد النوع أو الجنس أو العمر، ولذلك جاءت هذه التجربة استلهاماً لروح الشباب وقدرتهم على التفاعل السريع مع قرائهم، واستفادة من أفكارهم ووسائلهم في الوصل والتواصل، وتشجيعاً لهم وللدار على الالتفات لتجارب كتابية أخرى أبعد من نطاقاتهم العمرية، واهتماماتهم المتعلقة بهذه النطاقات. أطلق غزالتي الشعرية إذاً هذه المرة من هنا لترعى في سهوب الحماسة، وتنهل في ينابيع الشباب، لعلها تواصل الركض بذات السرعة، وربما أسرع مما تعودت، ومن دون أن تتبع أحداً»، ولعل في هذه المقدمة إجابة وافية عن السؤال. ثقافةآفاق
مشاركة :