هل يغير ترمب موقف بوتين من الصراع السوري؟

  • 6/29/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن الضربة العسكرية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية السورية، في أبريل (نيسان) الماضي، كانت من الخطوات المهمة لإظهار أن الدعم الروسي لنظام بشار الأسد لا يضمن الحماية الكاملة لدمشق، إذا ما واصلت تحركاتها العدوانية ضد قوات المعارضة والسكان المدنيين السوريين، فإن هذه الخطوة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب لم تغير من قواعد اللعبة شيئاً، إذ لم تسفر عن تغيير النظام السوري أو حلفائه في روسيا أو إيران لاستراتيجيتهم. ولا يزال الأمر على حاله، من حيث ممارسة المزيد من الضغوط العسكرية والسياسية على الجانب المعارض، ومحاولة موسكو أن تفرض الرؤية الروسية على القوات المعارضة لنظام الأسد وحلفائها لما بعد الصراع، التي توحي ببقاء النظام الحاكم الحالي، وضمان الوجود الروسي في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد بعد انتهاء مرحلة الحرب.والآن، عندما هدّد الرئيس ترمب بتكرار توجيه الضربات العسكرية ضد نظام الأسد، إذا ما حاول استخدام الأسلحة الكيميائية مجدداً، يبدو أن الجانب الروسي لا يزال على ثقته بقدراته على التأثير في تطورات الأوضاع في سوريا وما حولها. والكرملين مستمر في اعتقاده أن مواقفه في الصراع السوري هي أقوى من مواقف الغرب. ومن الواضح أن الهجوم الأميركي على قاعدة الشعيرات السورية، إلى جانب الإجراءات الفعالة التي اتخذها التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين، لا تثير قلق الكرملين من قريب أو بعيد، مع أن إسقاط طائرة سورية من قبل مقاتلة أميركية أثار انتباه موسكو.إذ إن القيادة الروسية تملك قناعة ثابتة بأن عملية صنع القرار الأميركي حيال الأزمة السورية لا تزال مندفعة محمومة، وأن الإدارة الأميركية لا تزال تحاول وضع الاستراتيجية الواضحة للتعامل على المدى الطويل مع الموقف الروسي. وفي ظل هذه الظروف، لم يتأثر الكرملين كثيراً بالبيانات الصادرة من الإدارة الأميركية، واستعدادها لمعاقبة الأسد في حال استخدم مجدداً الأسلحة الكيماوية. ويبدو أن الكرملين يعتقد أن ترمب يحاول استعراض القوة قبل الاجتماع المرتقب بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ، لإظهار أن سياسته مختلفة للغاية عن سياسة سلفه باراك أوباما، وأنه على استعداد تام لاتخاذ التدابير الصارمة، إذا ما لزم الأمر. ونتيجة لما تقدم، لا تحاول موسكو الرد على البيانات الأميركية. وبدلاً من ذلك، ترغب موسكو في الاستماع لما سيقوله الرئيس الأميركي إلى نظيره الروسي خلال المحادثات. وعندها فقط، ستعلن موسكو عن خطوتها التالية إزاء الحوار الأميركي - الروسي بشأن سوريا. وتحاول روسيا، حتى الآن، التعزيز من مواقفها التفاوضية، ولا تلعب مناطق «خفض التصعيد» في سوريا الدور الأخير في هذه العملية.ومن وجهة النظر الروسية، فإن إقامة هذه المناطق الآمنة تهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف:أولاً: تضمن روسيا من خلال طرح هذه الفكرة على مائدة المفاوضات أنها لا تزال تتصدر عملية التسوية السياسية في الأزمة السورية. وقد حاولت موسكو أيضاً تحييد عدد من الأطراف الدولية الأخرى من وضع استراتيجياتها الخاصة بشأن تسوية الصراع السوري، من خلال إجبارها على صرف انتباهها إلى مناقشة المبادرات الروسية المطروحة.ثانياً: كانت موسكو مهتمة بنشر الإشاعات بأن إدارة الرئيس ترمب يمكنها فرض مناطق حظر الطيران الخاصة بها في الأجواء السورية، بالتالي تأييد تقسيم سوريا إلى مناطق عدة. ونتيجة لذلك، سارع الكرملين بطرح البديل الروسي الذي يوحي بإمكانية إنشاء الجيوب أو المحميات، بدلاً من تقسيم البلاد، وإنشاء مناطق وقف النزاع تحت سيطرة حلفاء دمشق.ثالثاً: من شأن إنشاء مناطق وقف التصعيد أن يؤدي إلى إضفاء الطابع الإقليمي على الصراع السوري، وعزل الجماعات العسكرية الأكثر عدائية داخل مناطق نزع الصراع المشار إليها. كما تتوقع روسيا أيضاً أن تفشل الجماعات الموالية لتركيا، إلى جانب عناصر «جبهة النصرة» (جبهة فتح الشام) المحصورة في مناطق نزع الصراع، في الوصول إلى لغة مشتركة للحوار، والبدء في التقاتل فيما بينها من جديد.وذكرت التقارير أن دمشق، اعتباراً من أبريل الماضي، أفرجت عامدة عن مئات المقاتلين من «حركة أحرار الشام» من سجونها، ونقلتهم إلى محافظة إدلب بغية تعزيز مواقف هذه الجماعة في مواجهة «جبهة النصرة» هناك. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن روسيا استبعدت إلى حد كبير الإشارة إلى «جبهة النصرة» باعتبارها «جماعة إرهابية» من خطابها العام المناهض للإرهاب، ونقلت التركيز في ذلك صوب تنظيم داعش.ويقول بعض الخبراء إنه تم القيام بذلك فعلياً، وبصورة متعمدة. ومن الناحية الظاهرية، يُزعم أن موسكو قد اعترفت بأسلوب غير رسمي بأن «جبهة النصرة» ستكون إحدى القوات المسيطرة على الموقف في مناطق نزع الصراع المزمع إنشاؤها، وهذا بالتالي سيؤدي إلى الصدام الحتمي بين «جبهة النصرة» والجماعات الأخرى هناك.وأخيراً، فإن إنشاء 4 مناطق تعمل بشكل فعال نسبياً، سيجعل المعارضة السورية منشغلة بالقتال من أجل السلطة فيما بينها. وفي الأثناء ذاتها، تكون موسكو قادرة على تركيز الانتباه على الصراع ضد «داعش». وإذا ما قُدر النجاح لتنفيذ استراتيجية مناطق نزع الصراع، ستشن روسيا هجوماً واسع النطاق على دير الزور، التي يُشكل سقوطها نقطة ارتكاز روسية للانتصار على تنظيم داعش، وتحقيق فعلي للأهداف الروسية على الأرض في سوريا. وقتذاك، تخلع الآلة الدعائية الروسية على موسكو عباءة الظافر المنتصر في مواجهة الغرب ذي التقدم البطيء للغاية في القتال ضد تنظيم داعش في العراق. كما يمكن استخدام هذه النقطة أيضاً ذريعة رسمية تتيح لروسيا الانسحاب الجزئي من المستنقع السوري.وتستند موسكو إلى نجاح تجاربها السابقة في إبرام صفقات وقف إطلاق النار المحلية بين دمشق والمجتمعات الداخلية السورية من خلال الوسطاء الروس، غير أن هذه النجاحات المحلية تتناقض بوضوح مع حالات الفشل الفعلية للعمليات السياسية العالمية في كل من مفاوضات جنيف وآستانة. ونتيجة لذلك، ومع اعتبار خبراتها السابقة، فإن روسيا عاقدة العزم على التركيز على إنشاء مناطق «خفض التصعيد»؛ الأمر الذي يُنظر إليه في موسكو باعتباره نوعاً من أنواع إبرام صفقات وقف إطلاق النار المحلية.وفي ظل هذه الظروف، حان الوقت للرئيس ترمب لإثبات أن الولايات المتحدة لديها استراتيجية جديدة بشأن سوريا، تعكس بجلاء الرؤية إزاء المستقبل السوري، ومدى الاستعداد الأميركي لحمايته. وهذا هو الشرط الأساسي المسبق للبدء في حوار حقيقي وفعال بين واشنطن وموسكو بشأن سوريا.وخلافاً لذلك، فإن غياب استراتيجية كهذه سيُعد من قبل موسكو إشارة إلى عدم الاستعداد الأميركي للاضطلاع بأي دور جاد وحقيقي في سوريا. هذا، وعدم إحراز أي تقدم على مسار المفاوضات الروسية مع الولايات المتحدة قد يرجع بنتائج خطيرة، إذ سيؤدي إلى تعديلات معينة في المقاربات الروسية. ويناقش مجتمع الخبراء الروس بمنتهى الجدية إمكانية تدني الاهتمام الروسي بشأن تطور الحوار المزمع مع واشنطن. وبدلاً من محاولة تعزيز هذا الحوار، ستحافظ السلطات الروسية على مستوى اتصالاتها مع الجانب الأميركي عند الحد الأدنى الضروري. وفي الوقت نفسه، سيكون الاهتمام الرئيسي للجانب الروسي منصباً على الحوار مع اللاعبين الإقليميين في المنطقة (أولاً، وقبل كل شيء، تركيا وإيران)، بغية ضمان تنفيذ مبادرة إنشاء مناطق نزع التصعيد. ونتيجة لذلك، فإن إدراج أي تغييرات على المقاربات الروسية بشأن الأزمة السورية سيزيد من مستوى المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة.* باحث روسي في مركز «تشاتام هاوس» البريطاني / موسكو

مشاركة :