القاهرة : ياسين محمد تعد صناعة القوارب الخشبية مهنة الكثير من قدامى الصيادين، لكن شطا الذي يبلغ من العمر 66 عاماً، ويملك ورشة يديرها على ضفة بحيرة الصيادين بمدينة الإسماعيلية، لم يمارس الصيد يوماً، لكنه ورث مسيرة مهنة العائلة من والده وأورثها لنجليه محمد وسيد، تماماً كما توارثت مهنتي الصيد وصناعة القوارب عائلات بعزبتي البهتيني والحلوس المطلتين على بحيرة التمساح، وهي واحدة من أربع بحيرات مائية مالحة تمر بها قناة السويس، ورغم أن الصيد لا يزال مستمراً لكن صنّاع القوارب اليوم بات عددهم في هذه المنطقة لا يتجاوز السبعة. يؤكد شطا أن شهري مارس وإبريل الأفضل لصيانة وصناعة القوارب، ويتابع قائلاً:«طول عمري أصلح وأصنع الجديد منها، ورغم ذلك لم أمارس الصيد نهائياً، ولأننا نتعامل مع الصيادين يأتي لنا السمك الطازج من البحيرة»، ويضيف: «عائلتي كانت تمارس الصيد في بحيرة المنزلة، وانتقلت إلى الإسماعيلية في بداية القرن الماضي، وولدت هنا وتعلمت صناعة القوارب من والدي الذي ورثها عن عائلته». أنواع وتصاميميعيش النجار العجوز في منزل يستطيع من نافذته رؤية السفن العابرة بقناة السويس، ويقول: «تأثرت الصناعة حالياً بقلة الصيد في البحيرة، وأصبحت أدير الورشة مع أبنائي أحمد وسيد، حيث تخصص كل منهما في تقطيع الأخشاب والنجارة وتجليد القارب بعازل الفيبر». وعن أنواع القوارب (الفلوكة والصال والكياك)، يتابع شطا: «الصال قارب خشبي ببطن مسطح، بينما الفلوكة بطنها منتفخ باختلاف أحجامها، والكياك فلوكة بحجم صغير». تبدأ صناعة الفلوكة، بتصميم البدن ويقسم إلى «آلة المنتصف»، ويستخدم خشب أشجار التوت الأخضر وأخشاب «سويد» الخفيفة لتجليد الأطراف، وتبطن بقماش فيبر عازل وغراء لمنع تسرب المياه إلى بدن القارب، الذي يصل عمره حسبما يقول شطا إلى عشرة أعوام، لكنه يحتاج لصيانة بشكل دوري، مشيراً إلى أن صناعة القارب الواحد يستغرق مدة شهر ونصف، بينما صناعة النوع المخصص للنزهات قد يصل العمل فيه إلى أربعة أشهر. ويضيف: «تأتي الأخشاب من أشجار التوت حول البحيرة، أو من مدينة المطرية، وقد ارتفعت أسعارها لتصل إلى 6 آلاف للطن بعدما كانت لا تزيد على 1600 جنيه، وهو ما رفع تكلفة القارب»، ويؤكد شطا، أن تكلفة الإنتاج وتحديد مواعيد الصيد في البحيرة قللت نسبة العمل في الصناعة، ويواصل: «قبل عشر سنوات كنت أصنع 30 فلوكة جديدة طوال السنة، ولكن العام الماضي لم أنه ثلاثة قوارب كاملة، وأعمل أكثر على الصيانة». ويرجع شطا تأثر مهنته إلى قوانين جديدة، حيث يقول: «منع الصيد في المجرى الملاحي لقناة السويس، ومصادرة القوارب التي تصطاد في غير الأوقات المحددة، وعدم إصدار تصاريح جديدة للصيادين، قلص من أعدادهم، وجعل كثيراً منهم يهجرون المهنة وطال التأثير كذلك الصناعة».الأعداد تتقلصعلى بعد 50 متراً من ورشة العم شطا، يعمل الشقيقان عبده ومحمد الخولاني، في ورشة تديرها العائلة، ويقول محمد: «كانت البحيرة تمتلئ بصناع القوارب لكن حالياً يعمل أقل من عشر أسر في الصنع والصيانة، ويضيف الخولاني: «إمكانات الصناعة ببحيرة التمساح بسيطة لا تصلح لصنع قارب أكبر من سبعة أمتار وقوارب النزهة الصغيرة، أما الكبيرة فتحتاج إلى أمواج عالية وهي موجودة في خليج السويس وبورسعيد». يخشى الخولاني أن تموت المهنة، لأن أعداد الصيادين تتقلص، ويقول: «صحيح أننا نعلمها لأبنائنا ولكن الزمن تغير، فتصنيع المراكب يعتبر عملاً شاقاً يحتاج إلى العمال ونفقات التصنيع مكلفة وأيضا اليد العاملة».قانون الملاحةيعمل الصيادون ببحيرة التمساح على قوارب خشبية، لأن قانون تنظيم الملاحة الداخلية المصري رقم 10 لسنة 1956، يحظر إبحار التي تعمل بمحركات آلية في بحيرة التمساح والبحيرات المرة والمجرى الملاحي قناة السويس، ويقول أبو عبده وهو صياد تخطى عمره الستين: «موسم الصيد يبدأ في شهر يونيو، وأنواع السمك الجيدة تكون في الجانب الشرقي بالمجرى الملاحي، لذلك نحتاج لقوارب بطول 7 أمتار لعبور البحيرة، وتحمل شباك الغزل الكبيرة، والعمل في المواعيد المحددة، ولذلك نعجز تحت قوانين كثيرة من الاستمرار، ويكفي معرفة أننا لا نستطيع الدخول إلى البحيرات المرة التي تنتج سنوياً حوالي 3500 طن من الأسماك».
مشاركة :