رئيس الحكومة الجزائرية يقود انقلابا على لوبيات المال السياسيباتت العلاقة بين رموز المال السياسي والحكومة الجزائرية الجديدة غامضة، في ظل الفتور السائد بين الطرفين، بعد الرسائل التي أطلقها رئيس الحكومة عبدالمجيد تبون، للوبيات المال من أجل الفصل بين النشاط الشخصي وبين العمل السياسي، بعد ظهور ملامح تغول المال السياسي في البلاد منذ العام 2014، وتمدد نفوذه داخل مؤسسات ومفاصل الدولة.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/06/30، العدد: 10677، ص(4)]تبون يختار طريقا مخالفة لطريق سلال الجزائر - شكلت الانتقادات الأخيرة التي وجهها رئيس الحكومة الجزائرية عبدالمجيد تبون، أمام نواب مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، إلى الحكومة السابقة على خلفية إهدار المال العام في استثمارات غير مجدية وفاشلة، واحدة من أوجه الهجوم الذي يشنه تبون ضد لوبيات المال. وتوجه بالنقد إلى أحد القطاعات التي كان يشرف عليها، وزير الصناعة والمناجم السابق عبدالسلام بوشوارب، المنتمي إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي، والمتهم بحماية مصالح قطاع من منظومة رجال الأعمال ويوصف بـ“الذراع الحكومية للوبي المالي”. وحمل تعيين تبون على رأس الحكومة الجزائرية، المنبثقة عن الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، انقلابا صريحا على نفوذ اللوبي المالي، الذي تغلغل بقوة في مؤسسات ومفاصل الدولة منذ الانتخابات الرئاسية في 2014، وصار لاعبا مهما في التوازنات الداخلية للسلطة. وقالت مصادر مطلعة لـ“العرب”، إن انقلاب تبون على نفوذ رجال المال داخل الحكومة ومؤسسات الدولة، تجلى في عدة خطوات نفذها الرجل بشكل سريع في الأيام التي أعقبت تعيينه على رأس الحكومة. وقالت المصادر إن تبون، ألغى قرارا أصدره سلفه عبدالمالك سلال، في الساعات الأخيرة، قبل مغادرته لقصر الحكومة، تم بموجبه إصدار قرارات استفادة لشخصيات نافذة في عالم المال والأعمال والإدارة، من مزارع فلاحية بضاحية الأندلسيات بمحافظة وهران غرب البلاد. وشكل تسريب صور القرار بتوقيع سلال، فضيحة انتقامية منه، خاصة وأن المسألة تتعلق بـ120 هكتارا من العقار الزراعي الحكومي، وبشخصيات ورموز من اللوبي المالي. ويقول مراقبون إن إلغاء تبون للقرار يعد رسالة لتحالف اللوبي المالي والسياسي، مفادها نهاية عهد نفوذ المصالح وتغول المال السياسي داخل مؤسسات الدولة. وبدأ الانقلاب على لوبي المال السياسي بالاستغناء عن خدمات مصطفى رحيال كمدير ديوان مصالح رئيس الوزراء، الذي عين في حكومة سلال السابقة، بإيعاز من رجل الأعمال النافذ علي حداد، ليكون عين تنظيم منتدى رؤساء المؤسسات داخل رئاسة الوزراء.إلغاء تبون لقرار وقعه سلال لصالح رجال الأعمال رسالة للوبي المالي، بانتهاء عهد نفوذ المصالح وتغول المال السياسي وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها “إن الاستغناء عن خدمات وزير الصناعة والمناجم السابق عبدالسلام بوشوارب، جاء لاعتبارين مهمّين هما فشله في تفعيل القطاع، والحرص الذي أبداه على خدمة مصالح لوبي رجال الأعمال”. وأوضحت أن بوشوارب “مهد المناخ العام للاستثمار لصالح رجال أعمال يريدون الاستحواذ والتفرد بالإمكانيات والمقدرات العمومية للبلاد”. وكان تبون، صرح أمام نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) بمناسبة عرض برنامج حكومته للمناقشة والمصادقة الأسبوع الماضي، بأنه “من اليوم فصاعدا ستكون هناك حدود واضحة بين الدولة ورجال الأعمال، وسيتم التفريق بين السلطة والمال”. واعتبرت تصريحاته رسالة صريحة للوبي المالي المتغول في السنوات الأخيرة، والذي استطاع توجيه السياسات الحكومية السابقة، لخدمة مصالحه بالدرجة الأولى، ولا سيما في ما يتعلق بما يعرف بملف العقار الصناعي، الذي وضعه بوشوارب في خدمة بعض رجال الأعمال بالدينار الرمزي، بدعوى تشجيع الاستثمار. وتقول مصادر مطلعة، إن غموض الوضع السياسي في هرم السلطة، مكن عددا من رجال الأعمال من التقرب من مصادر القرار، والتأثير بشكل واضح في السياسات الحكومية المنتهجة منذ انتخاب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رابعة في ظروف غامضة عام 2014. وتضيف “إن حكومة تبون تسعى لإرساء إجماع وطني لتسيير ومواجهة المرحلة الجديدة، مع جميع الفاعلين ما يفضي إلى سحب البساط من تحت أقدام تنظيم منتدى رؤساء المؤسسات بقيادة رجل الأعمال علي حداد، بعدما كان هو الفاعل الأساسي في رسم السياسات الحكومية”. وأشار تبون خلال عرضه لمخطط عمل الحكومة، أمام نواب المجلس الشعبي الوطني الجديد، إلى أن “الجزائر هي بلد الحريات ومن حق أي مواطن أن يمارس السياسة أو المال، لكن بفصلهما ودون الجمع بينهما، وأنه سيتم الحرص على هذا التفريق وليسبح بعدها كل في فلكه”. وقال “قد يروج أننا سنصطدم بأصحاب المال، فهذا غير صحيح، بل نحن متيقنون أن الثروة لا تأتي إلا بالمؤسسات الاقتصادية، فالمال لن يتوغل في دواليب الدولة”. ورأى مراقبون أن تصريحات تبون رسالة واضحة للوبيات المالية التي زرعت عيونها في مختلف المؤسسات، خاصة المنتخبة منها على غرار البرلمان، بواسطة شراء المناصب من الأحزاب السياسية، والذمم من ذوي النفوس الضعيفة. ويسود انطباع في الجزائر باعتبار حكومة تبون، حكومة تصريف أعمال، وتنظيم الاستحقاقات السياسية القادمة (الانتخابات المحلية في أكتوبر القادم والرئاسية في 2019)، إلا أن الاستفهامات لا تزال مطروحة، حول حقيقة التجاذبات في هرم السلطة، بهذا الشكل الذي أطاح بنفوذ رجال المال والأعمال. ويرجع مراقبون ميلان كفة الصراع لصالح جناح تبون الصامت، إلى انقلاب ناعم تم في هرم السلطة على من مهدوا الولاية الرابعة للرئيس بوتفليقة من فاعلين سياسيين واقتصاديين.
مشاركة :