إقالة رئيس سوناطراك: انقلاب في سياسة النفط والغاز الجزائريةأكد اقتصاديون جزائريون أن قرار تغيير إدارة شركة سوناطراك النفطية يكشف عن توجهات جديدة لإعادة هيكلة قطاع النفط والغاز. ورجحوا أن تمهد لعودة شركات النفط الأميركية وتخفيف القيود على حصص الشركات الأجنبية وإحياء مشروع استغلال احتياطات النفط الصخري.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/03/22، العدد: 10579، ص(10)]إدارة العجلة باتجاه واشنطن الجزائر – أثارت إقالة الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك أمين معزوزي تكهناك بانقلابات وشيكة في سياسة الطاقة الجزائرية، خاصة بعد مفاجأة تعيين عبدالمؤمن ولد قدور كرئيس تنفيذي للشركة. وتساءل محللون عن دلالات تعيين ولد قدور، الذي سبق أن أدين بتهم جنائية والمحسوب على التيار المؤيد للدوائر النفطية في الولايات المتحدة. وربط اقتصاديون مختصون في الشؤون النفطية بين تعيينه على رأس شركة سوناطراك بتوجهات جديدة للانفتاح على شركات الطاقة الأميركية للتقارب مع الإدارة الأميركية الجديدة بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض التي رجحت كفة حلفائها في صناعة الطاقة الجزائرية. ويحسب المدير الجديد للشركة على التيار الليبرالي الموالي للولايات المتحدة، الذي يمثله شكيب خليل وزير النفط السابق الذي أطيح به حين تفجرت ملفات الفساد بإيعاز من جهاز الاستخبارات السابق. وشغل عبدالمؤمن ولد قدور في مطلع العقد الماضي منصب مدير شركة بي.آر.سي وهي مشروع مشترك بين سوناطراك الجزائرية وشركة كي.بي.آر المملوكة لوزير الدفاع الأميركي الأسبق ديك تشيني، وهو ما يبرز العلاقة الوطيدة آنذاك بين الدوائر النفطية الأميركية وشبكة شكيب خليل. وكان المدير الجديد لشركة سوناطراك التي تنتج أكثر من مليون برميل يوميا، قد واجه أحكاما جنائية خطيرة بعد تفجير ملفات الفساد في الشركة، إثر تحقيقات أجرتها مصالح جهاز الاستخبارات بقيادة الرجل القوي آنذاك الجنرال محمد مدين (توفيق).عبدالمؤمن ولد قدور سبق أن حكم بالسجن بتهم التخابر مع جهات أجنبية وتبديد أموال عامة والتهرب الضريبي وأصدر القضاء الجزائري في عام 2007 حكما على ولد قدور بالسجن 30 شهرا بتهم “التخابر مع جهات أجنبية وتسريب معلومات تدخل في خانة أسرار الدولة، فضلا عن تبديد أموال عمومية وتهرب ضريبي واسع النطاق”. ويرى مراقبون جزائريون أن عودة عبدالمؤمن ولد قدور، كمدير عام لأكبر شركة نفطية في قارة أفريقيا وأكبر مصدر لإيرادات الدولة من العملة الصعبة، تمثل إعادة اعتبار له ولوزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، بعد انتهاء صراع مؤسستي الرئاسة وجهاز الاستخبارات لصالح قصر المرادية. ويرجح محللون أن تكون عودة الجناح الليبرالي لتسيير شركة سوناطراك تمت بدعم من دوائر صناعة النفط في واشنطن، بعد تعرض مصالحها للتضييق خلال السنوات الماضية تحت شعار السيادة على الثروات الوطنية وضغوط فرنسا بمساعدة أعوانها في الحكومة في اتجاه تعزيز نفوذها ومصالحها. ويوصف وزير النفط السابق شكيب خليل بأنه “الذراع اليمنى” للرئيس بوتفليقة، قبل أن يسقط تحت ضغط جهاز الاستخبارات في عام 2010، ويعد أحد الموالين لمصالح صناعة الطاقة الأميركية وأبرز الشخصيات الداعمة لنهج التسيير البراغماتي والمصالح بعيدا عن خطاب السيادة. ومن المرجح أن يكون القرار مقدمة لتحولات منتظرة في سياسات قطاع النفط والطاقة بشكل عام في الجزائر، خاصة فيما يتعلق بوقف العمل بقاعدة 51/49 التي تقيد حصة الشركاء الأجانب بنسبة 49 بالمئة في المشاريع الجزائرية والحفاظ على حصة الأغلبية للشريك المحلي في الاستثمارات النفطية. ويقول البعض إن تلك القـاعـدة كانت وراء عـزوف شركات النفـط العـالمية عـن عـروض الاستكشاف التي طرحتها سوناطراك في الأعـوام الأخيرة. ولم تتمكن الجزائر من إرساء سوى 5 من أصل 34 رقعـة عـرضتها على الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط والغاز. ويرى محللون أن قرار إنهاء مهام المدير السابق أمين معزوزي، جاء في أعقاب فشل الشركة في إقناع شركاء عالميين بفرص الاستثمار والاستكشاف في الجزائر، خاصة مع اقتراب عرض عدد من رقع الاستكشاف البحرية على الشركات الأجنبية.الانقلاب في شركة سوناطراك يمثل انتصارا لوزير النفط السابق شكيب خليل المقرب من الشركات الأميركية وتراهن السلطات الجزائرية اليوم على توسيع نطاق التنقيب واستغلال احتياطات الطاقة لتعويض تراجع الإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز، في محاولة لتخفيف ضغوط الأزمة الاقتصادية والعجز عن إيجاد بدائل حقيقية للريع النفطي. وتشير بعض التكهنات إلى إمكانية أن يقوم الرئيس الجديد لشركة سوناطراك بإحياء خطط استكشاف واستثمار الغاز الصخري، بدعم من شركات أميركية لتعويض العجز المالي الذي خلفه تدهور أسعار النفط التقليدي على مداخيل الخزينة العمومية. ويشكل الغاز الصخري أحد الرهانات المتاحة للحكومة في ظل وجود احتياطات هائلة في الصحاري الجزائرية، رغم الرفض الشعبي والسياسي للمجازفة بالذهاب لمثل هذه الاستثمارات والمخاوف من أضرارها على البيئة والمخزون المائي. وقد يشجع التعافي النسبي لأسعار النفط في الأسواق الدولية الحكومة الجزائرية على العودة لخيار الغاز الصخري بدعم أميركي، في ظـل انتعـاش الإنتـاج في الـولايات المتحـدة. وتراجعت إيرادات شركة سوناطراك العام الماضي إلى نحو 26 مليار دولار تحت تأثير تراجع أسعار النفط، ما أثر على قدرتها على الاستثمار في تطوير الحقول، خاصة بعد انسحابها من بعض المشروعات في ليبيا بسبب الأوضاع الأمنية. وبلغت أزمات شركة سوناطراك ذروتها في العامين الماضيين بسبب تقلص الإيرادات والاستثمارات، وعدم قدرة طاقم المدير السابق أمين معزوزي، على تجاوز الأزمات، خاصة بعد الفشل في استقطاب شركات النفط العالمية لتوسيع عمليات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج.
مشاركة :