ثقافة الإخوان القطبيين: سير في مدار الكراهية وخطاب التحريضدائما ما يستند الإخوان المسلمون إلى كتابات سيد قطب الذي يعتبر المفكر الأبرز الذي وطد المعالم المنهجية والعقائدية للتنظيم وباعتباره من أبرز مجددي الفكر الديني، ليتحول لاحقا إلى مدرسة منهجية وسياسية موازية داخل التنظيم الأم الذي اصطبغ بتأثيرات خطاب التحريض والكراهية القطبية.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/06/30، العدد: 10677، ص(13)]البحث في العنوان الخطأ على أصل الجريمة قبل الإطاحة بحكم الإخوان في مصر، تفشى في لغة التحليل السياسي وصف الشريحة المتنفذة في الجماعة، بكونهم "قُطبيين" نسبة إلى الكاتب الراحل المثير للجدل سيد قطب (1906 – 1966). وبدا واضحا أن الوصف قد أُريد منه الإشارة إلى التطرف في المواقف المتعلقة بسجالات حول منهجية الحكم، في فترة التأسلم الحاد لسيد قطب، منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي. فهو قبل ذلك وبعده، صاحب كتابات تتسم بانفعالية لافتة، حيال من يراهم خصومه، أو بالاحتفالية المُخلّة، حيال من يراهم أصدقاءه. غير أن السمة الأوقع تأثيرا سلبيا في سمعة من يوصفون اليوم بـ"القطبيين" وهذا ما يهمنا الآن؛ هو ما كتبه الرجل بخط يده ويندرج في التقييمات الفكرية، ضمن دعاوى صناعة الكراهية تجاه أجناس بشرية وأديان أخرى. ومعلوم أن العلة التي يراها العالم، اليوم جذرا للإرهاب الأعمى هي مشاعر الكراهية المفرطة وغير المبررة لأجناس وأديان لها عالمها ولها مؤمنوها، ولهذه المشاعر محرضون يجري حصرهم والتعرف عليهم. عاد باحثون في الغرب إلى “القطبية” لدراستها، وبدأوا يتحصلون على ترجمات لمقالات كتبها سيد قطب باللغة العربية قبل نحو سبعين عاما، لكنها ظلت تلامس جوهر ثقافة الشريحة المتنفذة في الإخوان. ويجري التقصّي الآن، ربما استشعارا من بعض مراكز البحوث، لعدم كفاية الأدلة على أن الفقه الوهابي هو العلة التي تمثل جذر الكراهية. وفي الحقيقة، ليس في الوهابية ما يدلل على كراهية الناس من حيث كونهم بشرا، وإن كان فيها مثلما هو الحال بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الشروحات الفقهية ما يتناول أمور الحلال والحرام والإيمان والمروق والتقوى والإلحاد. لكن سيّد قطب، وهو كاتب وخطابي وليس فقيها، فشل كأديب قاص وفشل كناقد أدبي وكمؤلف لإصدارات اجتماعية ونقدية، واتجه متأخرا إلى الكتابات الإسلامية وإلى شرح القرآن الكريم بأسلوب أستاذه عباس محمود العقاد في التحليل، حمل كراهية للغرب ورفضا عنصريا يتوجب على المسلمين تحاشيه.سيد قطب يقول إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول. سواء كان في أوروبا أو كان في أميركا. وهذا ما يجب أن نحسب حسابه من المنطقي أن يتعمد أصحاب المظلوميات التقليل من معسكر الخصوم، وأن يكون تصديهم للسياسات وأصحابها لا للشعوب وألوانها، لا سيما وأن الكثير من عناصر النُخب “البيضاء” كانوا من المؤرخين والأدباء والشعراء والأثاريين والرحالة وحتى الضباط العسكريين الذين وقفوا إلى جانب الحق العربي والإسلامي. وحتى لو لم يكن قد حدث هذا، فإن الخيار العقلاني يقتضي استذكار الرابطة الإنسانية. بعد أربعة أشهر من ثورة يوليو 1952 كتب سيد قطب مقالا عجيبا، يُخشى أن يتسبب لدى الباحثين الراهنين، في جعل “الإخوان القطبيين” أصل وفرع التنظير لقتل الناس على لونهم. كان سيد قطب، وبطريقته الانفعالية الحادة، من أنشط كتاب ثورة يوليو 1952 بل تميّز بتحريض ضباط الثورة على العنف ضد الكُتّاب الآخرين، وعلى الشعراء والفنانين واحدا واحدا، وعلى الإذاعة، وعلى أهل الطرب من أم كلثوم وعبدالوهاب إلى شكوكو مرورا بفريد الأطرش، وضد الأطياف السياسية وضد الدستور، بل ضد أن يفكر أيّ من الضباط، في الدعوة إلى إقرار دستور، وضد الأحزاب وضد الساسة السابقين بالمجمل ودون أي استثناء. كان المقال الذي نشر في جريدة “الرسالة” المصرية (3 نوفمبر 1952) ذا عنوان صريح “عدوّنا الأول الرجل الأبيض” وقد اختصر العنوان نفسه، الموضوع على القراء، وحسم بانفعالية شديدة، أمر كل ذي لون أبيض (وهذا ما لا يرضاه الأتراك والبوسنيون والشيشان وغيرهم). ودعا إلى احتقار شعوب وحضارات واحتقار ذوي لون من ألوان خلق الله بتمامه، دونما تردد أو مراعاة لحاجتنا كمجتمعات متخلفة آنذاك، إلى الاستعانة بأنماط النهوض التي أدركتها تلك الشعوب “البيضاء” وفتحت الأبواب لكي ينهل من علومها كل من يرغب. ماذا لو أن باحثا من المستشرقين ذوي الآراء الانفعالية والعنصرية المشابهة أراد أن يقدّم الدليل على ما يزعمه ضد الإسلام ظلما، فاستشهد بما كتبه رجل تقتدي زعامات “الإخوان” به إلى يومنا هذا. عندئذ، لن يكون هذا المستشرق المعادي للأمة وشعوبها وثقافتها قد جاء بدليل من أفواه جهلة أو من مؤلفات فقهاء مغمورين، وإنما من سيد قطب، رمز الاعتداد بالتاريخ الفكري للجماعة. يقول سيد قطب في مقاله “إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول. سواء كان في أوروبا أو كان في أميركا. وهذا ما يجب أن نحسب حسابه. ونجعله حجر الزاوية في سياستنا الخارجية، وفي تربيتنا القومية كذلك. إن أبناءنا في المدارس يجب أن تُربى مشاعرهم وتُفتح أذهانهم على مظالم الرجل الأبيض وحقارة الرجل الأبيض. ويجب أن تكون أهداف التربية عندنا هي التخلص من نفوذ الرجل الأبيض وحقارة الرجل الأبيض. وجشع الرجل الأبيض، لا سياسيا فحسب، ولا اقتصاديا فحسب، ولكن اجتماعيا وفكريا كذلك”.لا مستقبل لمشروع الجماعة ولن ينكر أي منصف عليهم حقوقهم كأفراد متساوين مع غيرهم، ولن يقبل منهم أيّ مواطن جاهل أن يكونوا قيّمين على إيمان الناس وهكذا يبتعد سيد قطب عن الخطابة المشروعة ضد الرجل الاستعماري مهما كان لونه، ويذهب إلى التحريض على الرجل الأبيض مهما كانت قناعاته وسياسته. في تلك الأيام، التي نُشر فيها المقال، تناول بعض الباحثين في جامعات الغرب، ما قاله قطب، ولم يجدوا تعليلا له سوى ما كتبه باحث عربي في جامعة ميشيغان، عن احتمال أن يكون سيد قطب قد تعرض للتمييز العنصري من قبل أحد الأشخاص أثناء تواجده في الولايات المتحدة، بسبب سواد بشرته. وقال باحث مصري آخر إن سيد قطب عبّر عن كراهيته للرجل الأبيض وللولايات المتحدة، في العام 1946 أي قبل أن تظهر سياستها المعادية للعرب في المنطقة وقبل أن تنشأ إسرائيل، فلماذا يقبل قطب السفر في بعثة تعليمية إلى الولايات المتحدة لا يمولها الرجل الأبيض البريء وإنما يمولها مشروع ما يُسمى “النقطة الرابعة” الذي تبناه الرئيس الأميركي هاري ترومان؟ لسنا هنا بصدد العودة إلى تاريخ سيد قطب وتقلباته وحكاياته. فما يعنينا في هذا الخضم العربي والإسلامي العسير، هو أن نتحسس رؤوسنا ومصائرنا، وأن نقلع حالا عن التمسك بكل ما يُعد فكرا يحض على العنف ضد الآخرين دونما ذنب. إن الباحثين الذين يتقصون دوافع الإرهاب والمحرضين عليه، معذورون عندما يؤكدون على أن الخطاب الداعي إلى العنف ظل لسنوات طويلة يصدر عن خطباء وكتاب يبجلهم قطاع من المسلمين الحزبيين، فيتأثر بخطاب هؤلاء الآخرين مسلمون بسطاء. فعندما حدثت تفجيرات في بعض محطات القطارات، أثناء غزو العراق، احتار المفسرون، كيف ولماذا توضع المتفجرات في وسائل مواصلات لا يستخدمها سوى أناس أبرياء كانوا يتظاهرون ضد الغزو الأميركي، مثلما حدث في مدريد؟ وهل يظن أحد أن الباحثين في الغرب سوف يكتفون من “الإخوان” أو من أيّ جماعة تقول إنها وسطية ببيانات استنكار للتفجيرات والأعمال الإرهابية في مدن الغرب أم إنهم سيبحثون في كل خطاب لمعرفة مصادر الثقافة التحريضية؟ لم يعد الوقت ولا المشهد، يحتملان الجمع بين الشيء ونقيضه، أو تجزئة المواقف، بإدانة الإرهاب في لندن والصمت عليه في سيناء، على النحو الذي يلامس التواطؤ. إن على “القطبيين” الإقلاع عن ثقافتهم، وعن مواقفهم المجتزأة والمتحايلة التي لم تعد تنطلي على أحد، لكي يعبروا إلى ما ليس منه بد في النهاية، وهو الهجوع ونشدان حقوقهم السياسية والاجتماعية كمواطنين وبالوسائل السلمية. فلا مستقبل لمشروع “الجماعة” ولن ينكر أي منصف عليهم حقوقهم كأفراد متساوين مع غيرهم، ولن يقبل منهم أيّ مواطن جاهل أن يكونوا قيّمين على إيمان الناس. كاتب ومحلل سياسي فلسطينيعدلي صادق
مشاركة :