إدارة الجهل

  • 6/18/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي يصعب حصر تعريف الجهل على أنه انعدام وجود مقومات تعليم فقط، أو طلاب علم، ويسهل مده إلى تعليم الناس ما لا ينفعهم، وهو صوت نسمعه في بلادنا كثيراً عندما يتكرر أن العلم النافع الوحيد هو «الديني»، وما عداه لا نرضاه. تورطت أمم غابرة ولاحقة بقوى قادرة على إدارة الجهل منذ زمن بئر بابل، وكهنة المعابد، إلى ديارنا وزماننا المتكاثرة فيه جهود «إدارة الجهل» نحو حافة جرف هاوٍ، تحته وادٍ سحيق من الخلافات المذهبية الواضعة أصابعها على زناد بنادق متربصة بنا المنون. يندرج ضمن إدارة الجهل ضعف مخرجات مؤسساتنا التعليمية حتى المتعلق بها أرواح البشر (كليات طبية، معاهد صحية، معاهد قضاء، وغيرها) بما فيها الكوادر البشرية المتربعة على عرش بلايين الأعمال الخيرية، أو ملايين التلاميذ في مدارسنا. يأتي ضمن إدارة الجهل حجب نصف الموروث الديني أو أكثره ونشر «القليل المتطرف بشدة»، وإشهاره من المنابر إلى المقابر، مع تجفيف روح التسامح المذهبي مع جيران الإسلام في السماء والأرض (اليهودية والمسيحية)، كذلك عدم تنقية كتب الأحاديث من شوائب واضحة، حتى يسهل عليهم تأطير العقيدة وتكون قيادة الرعاع غنيمة. يأتي في سياق إدارة الجهل عدم معرفتنا في كيفية تنمية بلادنا، إخفاء الخيارات المتاحة واقتصارها على جماجم قليلة يجعلنا نعيش في بلادنا وكأننا نحمل حقائبنا نتنقل من فندق إلى فندق، وههنا أود أن أهمس في آذان صناع هندسة المدن السعودية «ليتهم ناموا»، و«ما عندكم سالفة»، لأنكم تكتبون نصوص مدننا بالأسلوب ذاته، «إدارة الجهل»، فنحن وأنتم نعلم بأنه «ما هكذا تُبنى المدن». تتسع دائرة الجهل إلى حجب معلومات المناقصات الحكومية، وإشهار الأحكام القضائية، وحرمان جامعاتنا من حيازة كليات خادمة لحياتنا، كذلك رداءة مناهج التعليم العام، بينما ديوان الخدمة المدنية يستمر في المشاركة في التجهيل، لأنه يوزع الوظائف الحكومية والترقيات عشوائياً. يشتهر المشهد الطبي في السعودية بظاهرة «سلق الملف الطبي»، ويجهل كل مرضانا تاريخهم المرضى عدا الفضوليين منهم بطبيعتهم، أو الخائفين من الموت، ولكل مريض عدة ملفات مشتتة في المستشفيات، يدخل فيها الدواء على الدواء في جسد المريض، وكأنه كما يقول البواب النوبي: «فيه إيه، هي وكالة من غير بواب؟». يزيد غياب اللوحات الإرشادية التوضيحية على الطرقات الرابطة بين مدننا من جهلنا بزوايا وطننا، في حين يكون خلف التلال القريبة تاريخ وجغرافيا تستحق الافتخار والاستكشاف، تماماً كغياب «أطلس» تعريفي عن الأقلام السعودية في مجالات الرواية، المقالة، القصص القصيرة، الأطباء، المهندسون، وكل شجون حديث العقول الواعية أدبياً وعلمياً نجهل أننا نجهل وطننا، ومكتنزاته الطبيعية والبشرية، نشاهدنا من خلال تلفزيون قديم «أبيض وأسود»، يستقبل بثاً أرضياً مشوشاً، عتامة التفاصيل طاغية، ورداءة الصوت مزعجة، وعندما ينقطع الإرسال يكون صوت «الوشة» مفزعاً للنائم. تطول قائمة الجهل وكأنها أصل قوتنا، نقتات الجهل رغماً عنا، نصنعه أكثر من المعرفة الحقيقية المطلوبة لترقية البشر والحجر، وهي الإدارة الأكثر نجاحاً، لدرجة أننا أفراداً ومجتمعاً نجهل مخاطر سياسية وعسكرية محتملة بما فيها اشتعال حرب إقليمية تأكل العارف والجاهل.   jeddah9000@

مشاركة :