النسخة: الورقية - سعودي في 20 آذار (مارس) 2003 بدأت الولايات المتحدة الأميركية غزوها للعراق، وفي التاسع من نيسان (أبريل) سقطت بغداد، وبذلك تكون الدولة العراقية التي بناها أبو جعفر المنصور قد سقطت للمرة الثانية في يد «العجم»، بعد سقوطها الأول بيد المغول. لكن الأمر الأكثر إجراماً في حق العراق، كان قرار الحاكم العسكري الأميركي السيد بريمر بحل الجيش العراقي وتسريح قرابة مليون مقاتل في الشوارع الفقيرة للعراق. كان القرار انحيازاً أحمقَ للمليشيا الصفوية القادمة من طهران لتحكم بلداً عربياً مكوناً من إثنيات وطوائف متعددة، ليعقبه قرار آخر بتصفية أعضاء حزب البعث وقتل كل المنتمين إليه وملاحقتهم ليزداد الأمر سوءاً على سوء. لا أعلم كيف كان يعتقد بريمر ومن نصحه من المتطرفين الصفويين في بغداد أن الجيش المنحل وملايين البعثيين سيذوبون هكذا فجأة، كل ما حصل أنهم انكفأوا قليلاً، ليعودوا اليوم ثائرين غاضبين. اليوم وبعد عشرة أعوام من الوعد الأميركي بتحويل العراق إلى واحة للديموقراطية ونموذج يحتذى به في الحريات والتنمية، تحول ذلك الوعد إلى نكتة كبيرة، يتحمل وزرها من قدَّموا الطائفية على العدالة، والشعوبية على العروبة، وروح الانتقام على التسامح. لم تمضِ سوى أيام قليلة على قرار بريمر حتى أصدرت السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل تنديداً واضحاً بحل الجيش العراقي، وقال الأمير إنه خطأ فادح وسيدفع من اتخذه الثمن، كان كلام الفيصل تحليلاً واقعياً، وقراءة قريبة للتركيبة العراقية وثقل الجيش في وجدان الإنسان العراقي. لم يستمع أحد للأمير سعود الفيصل، لتتخذ المملكة قرارها بالنأي تماماً عن الوضع العراقي، وترك من رفض النصيحة ليغوص بيديه وقدميه في وحل الموت والطائفية، إنه ما جنته أيديهم وما جناه أحد عليهم. لم تستمر المغامرة الأميركية طويلاً، فقد نفذت بجلدها وتركت العراق في أيدي الطائفيين الحمقى الذين استمروا في جبروت قهرهم للسنة وبقية أطياف العراق، هو توصيف لا يهاجم الشيعة العرب المخلصين لعروبتهم وهويتهم، بل من يحاولون تسديد الدين لمصلحة فارس، بعدما سقط عرش كسراها على أيدي الفاتحين العرب قبل 1400 عام. في الحقيقة لم يكن الغزو من أجل نشر الديموقراطية على المقاس الغربي، ولا من أجل إزاحة الديكتاتوريات التي جثمت على صدور الشعوب، بل كان مخططا أوسع لكسر المربع العربي الأقوى (العراق- سورية- السعودية- مصر)، وهذا ما حدث تماماً خلال عشرة أعوام لاحقة. كما أن الهدف الأبعد كان جلب دول التخوم العجمية (إيران- تركيا) لتكون ممثلة للإمبراطورية الأميركية في المنطقة التي اتخذت قرارها بالانسحاب من هذه الأرض المقلقة، ولم يكن هناك مانع من إلحاق العراق وسورية ولبنان والبحرين بإيران، ومصر وليبيا وتونس بتركيا، كان مشروعاً قاصماً لظهر العرب، ودافعاً لإخراجهم من معادلة التاريخ والجغرافيا. مع استمرار السياسات الأميركية الخاطئة في العالم العربي، من خلال مشروع إسقاط المحور العروبي (السعودي-المصري)، ومحاولة الاتكاء على المحور العجمي (إيران-تركيا)، وجدت السياسة السعودية التي تعمل بلا ضجيج نفسها مجبرة على تفكيك المخاطر المحيطة بها وبفضائها العربي. بدءاً من دعم خيارات القاهرة، وتبني إعادة دورها العربي والإقليمي، ومروراً بإنهاء مشروع الهلال الإيراني الممتد من طهران إلى بغداد ثم دمشق وانتهاء ببيروت، وأخيراً إعادة العراق لحضنه العربي، بعد غربة مُرة استمرت عشرة أعوام. يبدو الآن واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية عليها أن تختار بين المحور العربي، أو المحور العجمي، فلا العرب شعوباً وحكوماتٍ سيقبلون هيمنة دول التخوم «الأعجمية» على مصائرهم، ولا تلك الدول لها أي مشروعية لاقتحام التراب العربي، وإعادة بناء أحلام إمبراطورياتها الرومانسية على أراضيه. m.assaaed@gmail.com
مشاركة :