القاهرة – محمد الشاعر| مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، سواء في مصر أو في دول اخرى، برزت دعوات كثيرة تطالب بـ«تجديد الخطاب الديني» خاصة الإسلامي، محملة إياه، في بعض نصوصه، أسباب التطرف الديني، وظهور الجماعات التكفيرية والميليشيات المسلحة، والفهم المغلوط لتفسير بعض الأحكام والشرائع، واختزالها في الجهاد ضد غير المسلمين، بل وغير الملتزمين بهذه التفاسير من المسلمين أنفسهم. وشغلت القضية، ومازات، مساحة واسعة من الفكر المجتمعي والنخبوي، في عديد من البلدان الإسلامية، خصوصا مصر، متأثرين بما تموج به المنطقة العربية من أزمات سببها الإرهاب والفكر المتطرف، ما دفع إلى المطالبة بضرورة تجديد الخطاب الديني لسد الثغرات، وتجفيف منابع الفكر المتطرف، وإعادة رسم صورة صحيحة للإسلام الذي وصمه الغرب بالإرهاب والتطرف. واللافت للنظر، أنه بالتزامن مع طرح قضية «الخطاب الديني» مجتمعياً، تزايدت حدة التعاطي مع التراث الإسلامي، سواء بالتشدد في التفسير من بعض رجال الدين والدعاة، أو بالتسفيه والسخرية. القبس تفتش في أوراق هذه القضية الشائكة، في حوارات خاصة مع عدد من المفكرين والأدباء ورجال الدين والسياسيين، في حلقات، نطرح فيها أسئلة جريئة تدور حول مفهوم تجديد الخطاب الديني، ودور المؤسسات الدينية في لعب هذا الدور، وهل يحتاج التجديد الى توحيد المفاهيم، وهل تسبب الخطاب الديني بالفعل في تفشي ظاهرة التطرف، وهل سينجح التجديد في القضاء على الإرهاب، وما المعايير الضابطة والمطلوبة لمعالجة الخطاب الديني؟ كان نبيل نعيم واحدا من مؤسسي فكرة «الجهاد» في مصر والعالم، ولقربه من الجماعات الجهادية، تحول إلى باحث في شؤون الإسلام السياسي، وبات مرجعاً يعتد به عند البحث في نشأة تكوين أي تنظيم وأصوله. لذا كان من المهم أن نختتم به سلسلة حلقات البحث في مسألة «تجديد الخطاب الديني» بكل أبعادها، في سياق هذا الحوار الخاص: ◗ ما رؤيتكم لمسألة تجديد الخطاب الديني من وجهة نظركم، وهل إطلاق هذه الدعوات لها استخدامات سياسية؟ – استخدام دعوات تجديد الخطاب الديني استخدامات سياسية هو أمر وارد، وهو مطلب سياسي لبعض الأنظمة، ولكن عنوان تجديد الخطاب الديني هو أمر لافت، لأنه عنوان بلا مضمون، ونحن نريد تعريف ماهية الخطاب الديني. ولكن هل من الممكن حدوث تجديد لهذا الخطاب؟ الإجابة نعم، وهو عبارة عن عملية تنقيح لكتب التراث الديني من الإسرائيليات، والأحاديث الموضوعة والضعيفة، وهذا يحتاج إلى مجموعة من العلماء الدارسين وهذا الأمر يحتاج إلى فترة طويلة قد تستغرق 10 سنوات على الأقل. كما أن هناك أفكارا متطرفة تؤدي إلى تكفير المسلمين، منها مدارس تبث الأفكار الشاذة التي تكفر الصوفية، والشيعة، والإباضية، والأشاعرة، وغيرهم، ولابد من الرد على مثل هذا الفكر وتحجيمه. ولا بد أن تقوم فكرة تجديد الخطاب الديني على تنقيح التراث من الأقوال الضعيفة والرد على الأفكار الشاذة. وإذا نظرنا إلى مسألة الإرهاب نجد أنه «صناعة» فقد تكون لدي أفكار متطرفة ولا أستطيع أن أوظفها إلا بوجود ممول لهذا الفكر لتحويله إلى أداة تغلب مصالحه، ومثال على ذلك «الماركسية» التي نبتت كفكرة وعندما وجدت تمويلا أصبحت تحكم في العديد من بلدان العالم، فالأفكار المتطرفة لا بد لها أيضا من ممول يوظفها حتى تصبح إرهابا، والأفكار باعث للإرهاب، وليست هي الإرهاب، وهناك مثال على توظيف المسألة فقد كانت أذربيجان المسلمة تحارب أرمينيا المسيحية وأرادت الولايات المتحدة استخدام الإرهابيين في تحقيق مصالحها فتم الدفع بإرهابيين من الشيشان وأفغانستان للقتال مع أذربيجان، حتى تمكنت إحدى الشركات الأميركية من مد خط الغاز من أذربيجان إلى تركيا فانقلبت أميركا على الإرهابيين، فإذا كنا نريد محاربة الإرهاب فعلا فلابد من محاربة الداعمين له. مكاسب سياسية◗ هل هناك مبررات لتجديد الخطاب الديني؟ ولماذا تطلق مثل هذه الدعوات الآن؟ – الإرهاب وتجديد الخطاب الديني مقترنان بعضهما مع بعض، وهناك من يستغل الظروف لتحصيل مكاسب، فقد أتى الرئيس الأميركي إلى المنطقة العربية وهو يدعو لمحاربة الإرهاب، وتحصل على عقود تزيد على 300 مليار دولار فالمسألة في النهاية هي توظيف سياسي. كما أن هناك من يروج إلى أن الجماعات الإرهابية هذه التي تسعى لإقامة دولة الخلافة، فالحرب في أفغانستان ظلت لأكثر من 15 عاما، وكذلك الأمر في الصومال، وفي ليبيا، فهل قامت دولة الخلافة؟ في النهاية هي دعوات يستغل فيها بعض الشيوخ المرتزقة الشباب عن طريق توظيف الدين توظيفا سياسيا، وهؤلاء الشيوخ يقدمون للناس دينا ساذجا عن طريق بعض المسائل، والشباب ليس لديه عمق ديني كي يعرف الغث من السمين، كما أن هناك أنظمة تقدم للجماعات الإرهابية والتكفيرية التمويل والأسلحة وخطابا دينيا يستغل الشباب لتجنيدهم في هذه الجماعات. من يرعى التجديد؟◗ هل تقع مسؤولية تجديد الخطاب الديني على عاتق مصر وحدها؟ – أعتبر أن الأزهر، وعلى الرغم مما أصابه من مرض وشيخوخة، واختراقه من قبل الجماعات السلفية، وجماعة الإخوان فإنه لا يزال الأقدر على مواجهة الفكر المتطرف وتجديد الخطاب الديني، كما يمكن لبعض المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي القيام بمثل هذا الدور كجامعة القيروان، والزيتونة في تونس، والمشكلة أن بعض الأنظمة ليست مخلصة في مسألة تجديد الخطاب الديني ولا تعنيها، فإذا كان تجديد الخطاب يحقق لها مصالح فهي معه.◗ ما دور المؤسسات الدينية في مسألة تجديد الخطاب الديني؟ – دور المؤسسات الدينية مهم، ولكن من الذي يقود هذه العملية، فإذا أعطيت مسألة تجديد الخطاب الديني لأرباب المدرسة التي تتبنى نهج التكفير فسوف يهدمون الدين، وهناك من المشايخ من يزيفون أفكار الشباب وأدمغتهم ووعيهم، وهم يتكلمون في المسائل الفرعية ويجعلون منها مسائل خلاف دموية، وعلى الرغم من ان الاختلاف الفقهي موجود منذ عهد الصحابة الأخيار، إلا أن هؤلاء الشيوخ يجعلون الفرع أصلا في الخلاف ويقاتل عليه، فعلى سبيل المثال الإسلام قد انتشر في الهند بعد ثلاثة قرون من فتحها، فهل سمعت عن قيام الصحابة والتابعين بهدم معبد بوذي؟ كما أن الإسلام انتشر في مصر بعد 150 عاما من فتحها على يد عمرو بن العاص فهل قام المسلمون الأوائل بحرق الكنائس؟ الآن تحرق الكنائس وتفجر وهذا بسبب الخطاب الجاهل، كما أن الجماعات السلفية فكرها يستغل الفروع ويضخمها ويحولها إلى أصول ويقاتل عليها ويكفر بها. ◗ هل تسبب التراث الإسلامي أو اسهم في تفشي ظاهرة التطرف والإرهاب؟ – التراث الإسلامي تم جمعه بطريقتين وهما، كتابة كل الأحداث التي تحدث في العصر حتى يستطيع القارئ أن يفهم ما الذي دار في هذا العصر مثل كتابات الجبرتي، والطبري، وهناك طريقة «التنقيح»، وهي أن يتم تنقيح كل ما يكتب، ولذلك تتم الاستعانة بما يسمى دراسة التراث في أن ننقح من التراث ما يؤيد الأفكار الإجرامية، فأن تستخدم من التراث ما يحقق أهدافك عن طريق الانتقاء، فهذا يعد بمنزلة كارثة فكرية، والعيب ليس في التراث ولكن العيب في من يستخدم التراث لتحقيق أهدافه المتطرفة، فكتاب الأغاني للأصفهاني على سبيل المثال فيه أشياء سيئة كثيرة، وهو كان يريد جمع كل ما كان في زمانه وعصره ولم يكن يقصد السوء لذاته. قليل من اللوم◗ هل ترى أن مؤسسة الأزهر يقع عليها اللوم في عدم مواجهة الفكر المتشدد والمتطرف بشكل أفضل؟ – نعم، مؤسسة الأزهر يقع عليها اللوم، ولكن لا بد أن نقدر أن الجماعات السلفية تم دعمها بدعم مالي كبير، والأزهر لم يعد يستطيع مواجهتها بأمواله المحدودة، كما أن الرئيس أنور السادات على سبيل المثال دعم الحركة السلفية في مواجهة الأزهر ظنا منه أنه يستطيع بذلك القضاء على الفكر الناصري، في إحدى الاستخدامات السياسية للدين ولذلك سمح لمثل هذه المدارس بالانتشار واختراق الأزهر، ولكن لا يزال الأزهر هو المكان الأكثر ملاءمة لتجديد الخطاب الديني ومقاومة التطرف.◗ هل يحتاج تجديد الخطاب الديني إلى توحيد المفاهيم مع الديانات الأخرى كالمسيحية مثلا؟ أم أن مسألة تجديد الخطاب المعني بها الدين الإسلامي فقط؟ – توحيد المفاهيم مع الديانات الأخرى من المستحيلات «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة»، والعالم يوجد فيه أكثر من ألف دين، ولكن المهم كيف نتعايش مع بعضنا؟ «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ويخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» فيجب أن نتعامل مع الآخرين بالبر وهو إحدى درجات الإحسان، ولا بد أن تكون هناك وسائل للتعايش، ومسائل العقائد لا تجوز مناقشتها من خلال وسائل الإعلام، ومكانها الطبيعي هو المسجد، وأماكن دراسة اللاهوت في المسيحية، فلا يجوز دفع العامة من أصحاب الأديان إلى الاقتتال باسم الدين، ولا بد للإعلام من أن ينشر أساليب التعايش السلمي بين كل الناس، وهو مطلب جميع الأديان السماوية، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» و«لكم دينكم ولي دين»، وربنا أمرنا في الكتاب أن نتزوج من أهل الكتاب، وأن نأكل من طعامهم. السلوك والفكر◗ هل يسهم تجديد الخطاب الديني في القضاء على التطرف والإرهاب؟ – لا يستطيع تجديد الخطاب الديني القضاء على الإرهاب، ولكن الفكر السليم هو جزء من مكافحة الإرهاب فهناك عوامل داعمة ومغذية للإرهاب ومنها «الإحباط»، ففي مصر على سبيل المثال يتخرج الشباب في الجامعة وينضمون لطابور العاطلين، وهو من الأشياء التي تدفع الشباب إلى الانخراط في الجماعات الإرهابية، كما أن منع الشباب من التعبير عن آرائهم وأفكارهم بوضعهم في المعتقلات والسجون يسهم في إنعاش الإرهاب فاعتقال 150 شابا فقط منعوا من التعبير عن آرائهم يؤدي إلى إحباط أكثر من مليوني شاب وكل ذلك من أدوات دعم الإرهاب، والقاعدة تقول إن سلوك الإنسان وليد فكره، فعندما أعطيه فكرا معتدلا سأحصل على سلوك معتدل، ولكن الإرهاب ليس أحادي العنصر ولكنه مكون من عناصر متعددة. شروط واجبة ◗ ما الضمانات الكفيلة بعدم انحراف القائمين على مسألة تجديد الخطاب الديني؟ – أن تتم مسألة تجديد الخطاب الديني على يد علماء أجلاء ثقات موثوق في علمهم ونوازعهم، ولهم تاريخ في تدريس العقيدة والفقه، مشهود لهم بالعلم والخلق، فيمكن أن يسهم رجال مثل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في هذه الخطوة، وكذلك الشيخ أحمد الشريف، والشيخ جمال قطب، وهم يدرسون الفقه، ولهم تلامذتهم الموجودون في أماكن كثيرة من العالم، كما يمكن تكوين لجنة لتجديد الخطاب الديني تخضع للإشراف والمراقبة، وأن تعمل وفق معايير مكتوبة ومدروسة قبل انطلاق عمل هذه اللجنة حتى نضمن عدم الانحراف والبعد عن صحيح الدين.
مشاركة :