ظلت حكومة قطر على مدار العقدين الماضيين تستفيد من هامش المساحة الزمنية الذي توفره المملكة وأشقاؤها الخليجيون لها للعودة إلى الحضن الطبيعي، حيث تراهن على سماحة القيادات السعودية المتعاقبة وقدرتها على تجرع تلك النزوات التي ما فتئت تمارسها الدوحة بنزق عابث يصل أحيانا إلى حد الفجور كما هو الحال في تسريبات المؤامرات المكشوفة، فيما كانت المملكة تراهن على ضمير الشعب القطري الشقيق الذي يعرف يقينا أن مصيره مرتبط بمصير أشقائه، وليس بجوقة المصفقين والمطبلين الذين يأكلون من خير قطر فيما يوهمون قيادتها بأنها القوة العظمى الجديدة التي تستطيع أن تحرك العالم، وأن تصيغه وفق مزاج القوى التي يتبع لها هؤلاء المرتزقة الذين يتفننون اليوم في شتم المملكة على تويتر باسم الدفاع عن قطر. كانت الظروف الإقليمية والدولية آنذاك تعطي المملكة الفرصة لاحتواء تلك المراهقات السياسية القطرية، بشتى الطرق، ويبدو أن الأمر فُهم من قبل الأميرين الأب والابن لاحقا على أنه انصياع قسري لأوهام «القوة القطرية المرعبة»، مما دفعهما للمضي أكثر فأكثر في شق الصف الخليجي، والعبث بأمنه، والاستمرار في ضرب وحدة الموقف الخليجي، وذلك من خلال سياسة الطعن في الظهر، ونسيت السلطة القطرية أن التسامح السعودي، والتسامي على الجراح، إن كان ممكنا في بعض الظروف، فإنه لن يكون كذلك على الدوام، خاصة حينما تكون المنطقة على حافة تحديات ضخمة وكبيرة، وأمام أطماع قوى إقليمية يمكن أن تتنازل عن كل خلافاتها لتتحد من أجل محاولة هدم آخر قلاع وحصون العروبة والإسلام، والذي تمثله المملكة كعمق عربي وإسلامي للأمتين، ولن يكون متاحا أيضا مع قائد اشتهر بالحزم في كافة مواقفه وقراراته، حماية لقطر وللخليج وللعرب وللمسلمين، وحماية للسلم العالمي من العبث، وهنا يصبح على حكومة قطر أن تعي أنها في مواجهة قرار مفصلي لا رجعة فيه، حيث لم يتبق من المهلة الممنوحة لها سوى القليل من الوقت لتدارك الأمر، فإما أن تكون جزءا من هذا النسيج الخليجي، وتعمل ضمن السياسات الكفيلة بحماية أمنه ومستقبله ككتلة واحدة، أو تنصرف إلى أولئك الذين يريدون منها أن تكون الخنجر المسموم في خاصرة أشقائها، لكن عليها قبل ذلك أن تعي حجمها تماما، وأن تضع قرارها أمام الظروف الجيوبوليتكية التي تحيط بها، والتي لن تكون في صالحها بالتأكيد.
مشاركة :