لعبة السيجة شطرنج المسنين في السعوديةللألعاب الشعبية في الوطن العربي حيّز هام من تقاليد متوارثة، فهي جزء من مرح الطفولة وتسلية المسنين، وتهدف إلى تنمية العلاقات الاجتماعية وتجسيد روح الأخوة بين أبناء الحي الواحد أو القرية الواحدة، فلعبة السيجة التي تشبه الشطرنج في تكتيكاتها واستراتيجيتها تنتشر في الوطن العربي تمارس في أوقات الفراغ لكنها انحصرت في السنوات الأخيرة بين المسنين في الأرياف والقرى معلنة بداية اندثارها.العرب [نُشر في 2017/07/01، العدد: 10678، ص(20)]حط السيجة تبوك (السعودية) - تعدّ الألعاب الشعبيّة من النشاطات الترفيهية التي عرفها الإنسان منذ القدم لا سيما في الجزيرة العربية التي اشتهر سكانها بممارسة العديد من الألعاب القديمة حيث شغلت أوقات فراغهم في ذلك الحين، مثلما كان أهالي محافظة حقل التابعة لمنطقة تبوك يفعلون، إذ كانوا يمارسون في أوقات معينة لعبة “السيجة” أو الشيزة كما يحلو للاعبيها من كبار السن تسميتها. وتشبه لعبة السيجة إلى حد بعيد لعبة الشطرنج المعروفة، ومازالت حتى الآن تصارع من أجل البقاء، حيث يمارسها كبار السن الذين يجتمعون كل يوم بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس بالقرب من متنزه النخيل، في جو تحفّه الألفة والمحبة وروح المنافسة. وتعرف لعبة السيجة في كافة أرجاء الوطن العربي بقوانين واحدة ولكن بأسماء مختلفة وان حملت نفس الاسم في منطقة الخليج والأردن، فتسمى في تونس “الخربقة” وفي السودان “الضالة”. وتبدأ اللعبة باجتماع المسنين الذين يشكلون مجموعات ثنائية، حيث تجد مجموعات على شكل حلقات مكوّنة من لاعبين وجمهور من خمسة إلى ستة أشخاص للحلقة الواحدة، يتابع مجريات اللعبة، ويتبادل الخطط والآراء، ويتنقل من حلقة إلى أخرى لمتابعة مجريات اللعبة مع احتفاظ الجميع بالهدوء الذي يميز هذه اللعبة، حيث يعمّ التركيز والتفكير المطول من قبل الجمهور واللاعبين، ولا تسمع إلا كلمات خاصة باللعبة مثل، “حط السيجة” و”شرق للسيجة” و”كل السيجة”. يقول عبدالله العمراني 55 سنة، إن هذه اللعبة يمارسها في العادة شخصان، وتتكون من 24 حجرا لكل لاعب مقسمة إلى اللونين الأبيض والأسود، ويبدأ اللاعبان اللعبة على الرمل من خلال 48 حفرة صغيرة مقسمة كالمربعات المستخدمة في لعبة الشطرنج، وتسمح قوانين اللعبة بتدخل الجمهور ومساعدة اللاعبين في اتجاه حركة السيجة. وأضاف العمراني أن اللعبة “مشابهه للعبة الشطرنج من حيث المقابلة وجها لوجه، لكنها تختلف في القوانين والصعوبة في المراوغة والخطط، وتنتهي بأكل السيجة الأكثر. وأشار إلى أن اللعبه تعتمد على الذكاء في وضع الحجر في المكان المناسب والوقت المناسب ومحاصرة الخصم. يقول محمد عواد الحويطي من المحترفين في لعبة السيجة، إنها لا تحدد بعمر معيّن، وهي لعبة موروثة، مضيفاً أنها تتكون من ثلاث مراحل، ويستمر الفائز في اللعب حتى يهزمه آخر وهكذا. فلسفة لعبة السيجة والشطرنج واحدة، ولكن الشطرنج انتشر واتجه في اتجاه معاصر وأشار العم محمد العمراني 40 سنة، إلى أن هذه اللعبة عمرها يعود إلى المئات من السنين، وكانت اللعبة المميزة للآباء والأجداد، وهي لعبة شعبية عريقة تعكس في مجرياتها ما يتمتع به لاعبوها من صبر وهدوء وتخطيط وحنكة، ونحن نمارسها في هذا الهواء الطلق بشكل يومي، حيث نتواعد للعبها في نفس المكان كل يوم. وتمنى العم محمد حضور الشباب في هذه اللعبة للمساهمة في استمرارها وتوارثها، كما كانوا هم يحضرون في جولات السيجة في عهد آبائهم وأجدادهم. من جهته ذكر مؤلف كتاب “تبوك المعاصرة والآثار حولها” الباحث في إرث المنطقة مسعد بن عيدالعطوي، أن لعبة السيجة أو الشيزة كما هو معروف في منطقة تبوك لعبة قديمة يلعبها العرب بفكرة حربية يتصورونها في أذهانهم بهجوم الحجار التي هي أهم مكوّناتها، ولها رجال عباقرة في فن اللعبة وخططها كما هو حال الشطرنج بالخطط المعروفة. وذكر العطوي أن السيجة تحفر قديما على صخور كبيرة كقاعدة للعبة، ومازالت صخورها موجوده في الوقت الحالي على طريق القوافل الذي مر به الرسول علية الصلاة والسلام مابين مدينة تبوك ومركز البدع، كما كانت تلعب هذه اللعبة في النهار فقط وخاصة في شهر رمضان، ولم تكن تلهي لاعبيها عن مشاغلهم الحياتية، وكان الهدف من لعبها ساميا وهو تنمية التفكير والصبر. وأضاف أن فلسفة اللعبة والشطرنج واحدة، ولكن لعبة الشطرنج اتجهت في اتجاه حضاري وصناعي وإلكتروني، أما لعبة السيجة أوشكت على الاندثار، وأغلب لاعبيها في الوقت الراهن ممن هم في سن الأربعين. وأفاد أن وجود عوامل كثيرة لعزوف الشباب عن هذه اللعبة وغيرها من الألعاب الشعبية التي لم تواكب مجريات الجيل الحديث إلكترونياً، مبينا أنه بالإمكان حاليا في ظل وجود التقنية أن تلعب الشطرنج وغيرها من الألعاب على الإنترنت والجوال أيضا، ما يحفظ حقوقها ويدفعها إلى الاستمرار.
مشاركة :