أثارت برمجة الممثل الكوميدي الفرنسي من أصل تونسي ميشال بوجناح في الدورة الجديدة من مهرجان قرطاج الدولي بتاريخ 19 يوليو/تموز 2017 في متحف باردو الأثري جدلاً واسعاً بين التونسيين بسبب ما اعتبره كثيرون مواقف صريحة لهذا الممثل داعمة لإسرائيل وللحركة الصهيونية و"تطبيعاً مباشراً لتونس مع إسرائيل"، فيما انقسمت المواقف بين مؤيد ورافض لقدومه. أحمد الكحلاوي، رئيس الجمعية الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية (جمعية أهلية)، اعتبر في تصريح لـ"هاف بوست عربي" أن دعوة الممثل الفرنسي ميشال بوجناح لتونس "تعد استفزازاً صارخاً لمشاعر التونسيين وتعارضاً مع ما جاء في دستور الجمهورية التونسية، الذي أكد في توطئته على الانتصار لحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني فضلاً عن مناهضة كل أشكال العنصرية". الكحلاوي أكد "ضرورة خوض كافة أشكال النضال السلمي لمنع حضور هذا الممثل لتونس بسبب مواقفه الداعمة للصهيونية". ولم يستبعد قيام الجمعية بدعوة للتعبئة العامة في الشارع لإجبار السلطات التونسية وهيئة المهرجان على منع قدوم بوجناح لتونس. الكحلاوي شدد على أن تبرير البعض دعوة بوجناح لتونس كونه فرنسياً من أصول تونسية ومدافعاً عن صورة تونس بالخارج "هو مجرد حجة واهية مردودة على أصحابها"، قائلاً "إن الرسائل التي يحملها هذا الممثل سواء من خلال عروضه في الخارج أو قدومه لتونس تعد في حد ذاتها رسائل دعم للتطبيع مع إسرائيل يراد تمريرها في تونس وهو أمر مرفوض". وليست المرة الأولى التي يثير فيها هذا الممثل الفرنسي من أصول يهودية الجدل في تونس، حيث سبق وأن ألغي أحد عروضه المبرمجة قبل سنوات في إطار مهرجان الضحك بتونس العاصمة على إثر حملة ضده. وبحسب ما نشرته حينها صحيفة التونسية، فقد صرح بوجناح أيضاً بأن إسرائيل "أقرب إليه من كل الشعوب"، محملاً الفلسطينيين مسؤولية تعرض أبنائهم لرصاص الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً "إنهم يدفعون بأبنائهم إلى القتل من خلال حملهم للحجارة لقذف الجيش الإسرائيلي". وقال أيضاً في حوار صحفي سابق مع موقع الإسرائيلي: "أنا بكل صهيوني، صهيوني من أجل سلام إسرائيل".رسالة مفتوحة لوزير الثقافة التونسي موقع صحيفة "نواة" الإلكتروني التونسي نشر بدوره حمل توقيع "الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني"، وهي حملة تساند إلكترونياً القضية الفلسطينية، وجه أصحابه رسالة مفتوحة لوزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين ومدير الدورة الحالية لمهرجان قرطاج الدولي مختار الرصاع. وجاء في المقال استنكار موقعيه لدعوة الممثل الكوميدي بوجناح لتونس بالنظر "لمواقفه الصريحة لدعم إسرائيل والمعجبة بالصهيونية". وكتبوا: "إنّ الكوميدي الصهيوني لا يكتفي بإعلان هذا الإعجاب إذ يعتبر نفسه جزءاً من الشعب الإسرائيلي كما يعتبر مجرميْ الحرب أرييل شارون وإسحق رابين من كبار رجال السلام".مدير المهرجان يرد ورداً على حملة الانتقاد التي طالت برمجة ميشال بوجناح، اعتبر مدير مهرجان قرطاج الدولي مختار الرصاع في تصريح لـ"هاف بوست عربي" أن الفنان هو من أعرب عن رغبته في إحياء عرض مسرحي في إطار مهرجان قرطاج الدولي تشجيعاً للسياحة في تونس وفق قوله. وأضاف أن الاتهامات التي تلاحق هذا الفنان بمناصرته للصهيونية "لا أساس لها من الصحة، والمسألة تتعلق بتحامل على المهرجان ككل واختيارات الهيئة المديرة". الرصاع اعتبر أن حضور بوجناح لإحياء عرض في متحف باردو الأثري -والذي شهد هجوماً إرهابياً تبناه تنظيم داعش في 18 مارس/آذار 2015 وأسفر عن مقتل 22 سائحاً- "بادرة طيبة من هذا الممثل الذي وقف إلى جانب تونس في أزمتها وساهم في تلميع صورتها في الخارج:"، وفق تعبيره.تصفية حسابات؟ من جانبه استغرب رجل الأعمال التونسي من أصل يهودي إيلي الطرابلسي الحملة المطالبة بمنع عرض الممثل الكوميدي بوجناح بتونس، وأرجع أسبابها لما أسماه "تصفية حسابات وانتقاماً من بعض أنصار الممثل الكوميدي الفرنسي ديودوني الذي منع سابقاً من القدوم لتونس". وقال لـ"هاف بوست عربي " إن ديودوني "يملك خطاباً تحريضياً ضد اليهود"، وعليه عديد من القضايا في فرنسا وبلجيكا بسبب "تشجيعه على الإرهاب"، فيما اعتبر ميشال بوجناح "رمزاً يستحق التكريم من رئيس الجمهورية لأنه أكثر من دافع على سمعة وصورة تونس خارجاً، أكثر حتى من التونسيين أنفسهم، كما أن مواقفه مع العرب متزنة". يذكر أن عرض الفنان المسرحي الفرنسي من أصول كامرونية ديودونيه كان قد ألغي بشكل مفاجئ في 17 يونيو/حزيران 2017 بعد برمجته في "قبة المنزه" بتونس العاصمة دون تقديم الأسباب. وقد حينها بعض النشطاء في تونس سبب الإلغاء لضغوطات فرنسية إسرائيلية بسبب مواقف هذا الممثل من إسرائيل، حيث وجهت له تهمة "معاداة السامية" فضلاً عن تهمة "تمجيد الإرهاب" حين سخر في تدوينة له من المسيرة التي نظمت في باريس ضد الإرهاب في أعقاب الهجوم الذي استهدف المجلة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو. ويعد ميشال بوجناح من أهم نجوم الكوميديا في فرنسا والعالم وينحدر من أصول يهودية تونسية حيث ولد بالعاصمة سنة 1952 وهاجر في سن الحادية عشرة رفقة والده جوزيف بوجناح ووالدته إلى باريس مباشرة بعد حرب 1967. ولا يزال يفتخر بأصوله التونسية في أكثر من لقاء تلفزي عبر قنوات تلفزية فرنسية، ولكنه أيضاً لا يخفي تعلقه بإسرائيل، كما جاء في تصريحاته لشبكة "" الفرنسية. بوجناح لا يفوت أيضاً أي مناسبة للتعبير عن تضامنه مع من وصفهم بـ"يهود الشتات"، حيث علق خلال حضوره في عبر القناة الفرنسية الثانية عن حادثة مقتل فرنسية من أصل يهودي في الرابع من أبريل/نيسان الماضي على يد مختل عقلياً بأنها "حادثة تحمل أصابع معاداة للسامية، وليست مجرد جريمة عادية. نحن اليهود نقدر بنحو 15 مليوناً في العالم ما ذنبنا وما الجرم الذي ارتكبناه حتى نعامل بهذه الطريقة؟". وتتوزع الطائفة اليهودية في تونس بين العاصمة جهة "لافيات" وحلق الوادي"، لكن أغلبهم يعيش في جزيرة جربة جنوب شرق العاصمة حيث يقدر عددهم بنحو 1500 يهودي. وبالرغم من اندماج الكثيرين منهم في المجتمع التونسي باعتبارهم مواطنين تونسيين يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات، إلا أنهم مازالوا متشبثين بعاداتهم وتقاليدهم اليهودية، ويستقطب معبد الغريبة اليهودي بجزيرة جربة الآلاف من اليهود حول العالم الذين يحجون له كل سنة وسط إجراءات أمنية مشددة.تباين المواقف حول دعوة بوجناح لتونس وكان موقف نشطاء الشبكات الاجتماعية قد انقسم في تونس بين مؤيد لحضور بوجناح لإحياء عرضه في مهرجان قرطاج وبين رافض له:
مشاركة :