يبدو أن الحوسبة السحابية وغيرها من أبرز التغيرات المبتكرة ستحوّل تماماً ديناميكيات عالم التكنولوجيا متسارع الخطى. يتأمل أدريان بريدجواتر كيف يواجه قطاع التكنولوجيا في العالم العربي هذا التغيير الثوري.تتغير الآن الاتجاهات داخل قطاع تكنولوجيا المعلومات، ولا شك في أنها أخبار طيبة للمتخصصين بالمجال من العرب الذين يريدون ترك بصماتهم على أسواق تكنولوجيا المعلومات لكل من الشركات والمستهلكين. ويمثل هذا التغيير في الاتجاهات تحوّلا جوهريا في طريقة العمل بسبب الحوسبة السحابية في المقام الأول.بالطبع لا توجد سحابة حقيقية مليئة بأجهزة الكمبيوتر! فهذا المصطلح يوضح فكرتنا عن مركز البيانات الشامل الضخم حيث يتم تجميع الأجهزة معًا في مساحة واحدة لإتاحة الفرصة للعملاء لشراء القدرة الحاسوبية - المتصلة عبر الإنترنت - التي يريدونها مهما كبر أو قل حجمها. وقد نشأ هذا المصطلح من الرسوم التخطيطية للشبكات، حيث عادة ما يتم تصوير شبكة الإنترنت على شكل سحابة؛ والحوسبة السحابية تعني ببساطة الحوسبة القائمة على الإنترنت. وبدلاً من الاحتفاظ بالتطبيقات والبيانات على جهاز محلي، يتم تخزينها وتشغيلها وإدارتها من مركز البيانات عن بعد. وقد أصبح الانتقال إلى الحوسبة عن بعد ممكنًا بفضل البنية التحتية للإنترنت والتي تتسم اليوم بالتشغيل المستمر والقدرة العالية على تحمل الأخطاء.تعني هذه الخطوة أننا نستطيع شراء كل ما نحتاج من قدرة التكنولوجيا وقدرات التخزين متى احتجنا إليها. فيمكننا الحصول على السعات والقدرات التي نحتاج إليها مهما كبر أو قل حجمها؛ وقسم كبير من تكنولوجيا الكمبيوتر اليوم يتم شراؤها كخدمة.واجهة الخلفية الجديدةيُعتبر مفهوم واجهة الخلفية Backend في غاية الأهمية لرواد الأعمال العرب في مجال تكنولوجيا المعلومات لاغتنام فرص جديدة. فواجهة الخلفية موجودة بالفعل، حيث يتم توفيرها وإتاحتها والتعامل معها. وهذا يعني أننا يمكن أن نبدأ بالاعتماد على نفس محركات حوسبة واجهة الخلفية التي أنتجت الابتكارات الجديدة مثل أمازون Amazon أو أوبر Über أو إير بي إن بي AirBnB أو حتى الفيسبوك Facebook. ولكن الأهم أننا تستطيع استخدام تلك القدرة لمصلحتنا هنا في الشرق الأوسط.يقول أيمن الشيخ، مدير مصممي الحلول بشركة «ريد هات Red Hat» في الشرق الأوسط وأفريقيا: «تبرز منطقة الشرق الأوسط كمركز للشركات الناشئة التكنولوجية وحاضنات الأعمال، ونحن نشهد بالفعل قيام شركات مبتكرة مثل خدمة كريم Careem على غرار خدمة أوبر. وهذه خدمة لاستئجار سيارات يقودها سائق خاص، وتقوم الخدمة على تطبيقات تم تطويرها هنا داخل المنطقة».واجهة الخلفية السحابية موجودة بالفعل، في جميع أنحاء الدول العربية. ويؤكد موقع datacentremap.com أن المغرب لديها بالفعل خمسة مراكز للبيانات حيث يوجد اثنان في الدار البيضاء وواحد في فاس. ومن الواضح أن دول الخليج تحظى بمراكز بياناتها هي الأخرى. ولم نعد اليوم بحاجة إلى صيانة مرافق تكنولوجيا المعلومات (إن جاز التعبير)، ما يتيح فرصة مميزة لمختصي تكنولوجيا المعلومات من العرب الذين يتمتعون بأفكار مبتكرة.استسلام القرصنةمن أكبر المنافع التي تعود علينا أننا لم نعد نشتري حزم البرمجيات لتشغيلها على أجهزة الكمبيوتر، بل نقوم بشراء حق الوصول إلى البرامج الموجودة عن بعد. وهذا يعني أن «قرصنة البرمجيات» - أي نسخ البرمجيات دون دفع ثمنها للمطورين - لم تعد ممكنةً. وها قد تخلصنا بين عشية وضحاها من أكثر العوامل إضعافًا لنمو مطوري البرمجيات العرب! واليوم، يمكن للمطورين الحصول على أجر مقابل عملهم من دون الخوف من سرقة أفكارهم ونتائج عملهم الشاق واستخدامها مجانًا ببساطة. فلأول مرة في التاريخ، يستطيع مطور البرمجيات الشاب في العالم العربي الحصول على ثمن مقابل برامجه، كما له حرية البناء على ما اكتسبه من مهارات وعمل شاق مثل أي مطور للبرمجيات في الغرب. فالآن انتهت بلا رجعة قرصنة البرمجيات التي عطلت لفترة طويلة تطوير قطاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط.انفصال سعيدباستخدام واجهة الخلفية الموجودة، يمكننا أن نبدأ بالانتقال مما نسميه «أنظمة السجلات» (كل تقنيات تكنولوجيا المعلومات اللازمة لإنجاح تشغيل أي شيء) إلى التركيز الآن على ما نسميه «نظام الإشراك» (كل مظاهر تكنولوجيا المعلومات التي يراها المستخدم ويتفاعل معها). وفي الواقع، إن النظامين أصبحا الآن منفصلين انفصالًا سعيدًا عن بعضهما.وحسب أيمن الشيخ: «أصبحت التكنولوجيا اليوم، التي تركز بشكل خاص على أنظمة الإشراك وأنظمة الابتكار، تشكل فارقاً كبيراً في عالم الأعمال. وفي هذا العصر الرقمي، إن الشركات العربية الناشئة في مجال التكنولوجيا والتي تركز على تطوير التطبيقات أصبحت هي الشركات التي تشهد نموًا ضخماً».يسوق الشيخ مؤشراً آخر لتكنولوجيا المعلومات العربية، فيستشهد بعمل شركته في التقنيات مفتوحة المصدر حيث تتم مشاركة أكواد البرمجيات علانية بما يمكّن جميع المستخدمين الارتقاء بفاعلية الوظائف التي تؤديها البرمجيات. وتبادر شركة ريد هات بعقد الشراكات مع الجامعات المحلية في كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة لإنشاء «أكاديمية ريد هات» بهدف تزويد الجيل القادم بالمهارات الصحيحة للتقنيات مفتوحة المصدر.يقول أيمن عن المبادرة: «إننا نريد إعداد المواهب المحلية في تطوير البرمجيات داخل المنطقة العربية من خلال تثقيف الجيل القادم حول التقنيات مفتوحة المصدر حتى يتمكنوا من الإسهام في الابتكار في المجال. ولا شك في أن هذه الخطوة ستعزز النمو الطبيعي لمطوري البرمجيات من ذوي المهارات العالية والتخصصات الدقيقة في هذه السوق».المهارات السحابيةتقودنا هذه التقنية إلى احتلال موقع جديد على خريطة تكنولوجيا المعلومات. ولكن لا تزال هناك اعتبارات بشأن المهارات ينبغي النظر إليها. لدينا واجهة الخلفية بمرافقها جاهزة للعمل... ولكن هل نعرف كيفية استخدام هذه القدرة، هل نفهم إمكاناتنا وهل نعرف حتى كيفية تشغيلها في الواقع؟تشغل السيدة ماريتا ميتشاين منصب نائب الرئيس الأول والعضو المنتدب لمعهد ساب SAP للتدريب والتطوير لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتقول ماريتا التي تتقلد كثيراً من المناصب إنها تدرك أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع الآن بإمكانات قوية لاحتضان الشركات الناشئة بفضل رؤى حكوماتها وبنيتها التحتية التكنولوجية المحكمة وقاعدتها التعليمية القوية.تضيف: «تعمل شركة ساب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتبارها واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم على إبرام شراكات ثلاثية بين القطاع العام والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية لتبادل الممارسات الفضلى العالمية وتمكين خريجي الجامعات المحلية، وضمان أن تدعم المناهج الأكاديمية رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا».تجدر الإشارة إلى أن معهد ساب للتدريب والتطوير لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تأسس في نوفمبر 2012، ويقدم برامج تدريبية مصممة خصيصاً لتوفير مهارات الأعمال لمن يتمتعون بفهم ثقافي واجتماعي للمنطقة، لمساعدتهم في بدء حياتهم المهنية ودعم المنظمات بالموارد المناسبة.ذهنية التفكير التصميمييؤكد معهد ساب أن 950 من رواد الأعمال المحليين قاموا بالفعل بتطوير برمجيات على منصة SAP HANA السحابية. وتشرح ميتشاين أن التركيز المحلي الحالي للشركة منصب على تطوير ما تطلق عليه قيمة «التفكير التصميمي design thinking».تضيف: «تتعاون ساب تعاونا وثيقا مع عملائها وشركائها وأصحاب المصلحة الآخرين في تطبيق منهجية إبداعية مصممة للمساعدة في حل المشاكل المعقدة وإرساء ركائز للابتكار في جميع أنحاء المنطقة في نهاية المطاف».والمنافع الفورية واضحة للعيان؛ فلدينا شركات دولية في المنطقة تتطلع الآن للتعاون مع الناطقين بالعربية من أجل الاستفادة من فهمهم الثقافي والاجتماعي لاحتياجات السوق المحلية. وهذه الشركات تريد منا تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر مع التركيز الشديد على التصميم الذي يناسب الخصائص والمميزات الدقيقة لهذه السوق. وتريد هذه الشركات أن يستخدم متخصصو التكنولوجيا العرب (وكذلك أصحاب العقليات التجارية غير التقنية) السحابة لابتكار منتجات تكنولوجيا المعلومات المصممة بإحكام بما يناسب سوق الشرق الأوسط دون غيره على مستوى العالم.في نهاية المطاف، ما نريده جميعا هو أن يبتكر الشرق الأوسط خدمة أوبر المقبلة، ومنصة «تويتر» القادمة، وموقع «فيسبوك» التالي هنا في المنطقة. فالتكنولوجيا السحابية المتصلة ستسمح لنا بفعل ذلك. وعندما يبدأ الغرب بمحاكاة التكنولوجيات الأصلية التي ابتكرناها، فسنعرف حينها أن الحوسبة السحابية نجحت نجاحاً باهراً.ورغم ما يعترض طريق المواهب العربية في مجال تطوير البرمجيات، فإن أمامها مستقبلا مشرقا وباهرا.* متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا
مشاركة :