الحكومة التونسية تلجأ لمخزونها الاستراتيجي لحل أزمة المياهمع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تواجه تونس مشكلات متصاعدة ترتبط باضطراب متكرر في تزود البعض من المناطق بمياه الشرب. وتحاول الحكومة إيجاد حلول من خلال إنجاز مشاريع جديدة قادرة على التخفيف من نقص المياه.العرب نسرين رمضاني [نُشر في 2017/07/03، العدد: 10680، ص(4)]هكذا الحياة في الأرياف تونس - أثار تصريح مسؤول حكومي كبير بخصوص لجوء تونس لأول مرة إلى استعمال مخزونها الاستراتيجي من المياه قلق الشارع التونسي الذي يعيش على وقع مشكلات في توزيع المياه تحتد مع حلول الصيف. وقال مصباح الهلالي الرئيس المدير العام (رئيس مجلس الإدارة) للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية السبت، إن “تونس اضطرت لأول مرة إلى استعمال جزء من مخزونها الاستراتيجي من المياه”، بتحويل 170 مليون متر مكعب من سدود الشمال. وعرفت تونس نقصا في الموارد المائية بسبب موجة الجفاف التي استمرت لأكثر من سنتين. وقال رشيد خنفير رئيس جمعية المياه والتنمية في تونس، في تصريح لـ”العرب”، إن السدود التونسية الموجودة أساسا في شمال البلاد لم تكن مستعملة في الماضي وهي تحتوي على المخزون التونسي الاستراتيجي من المياه المخصصة للاستغلال لفترات الجفاف. وأكد أنه تم استعمال مياه سدود حوض مجردة منذ السنة الماضية بسبب قلة مياه الأمطار. وأوضح خنفير، الذي تولي في السابق منصب مدير بالإدارة العامة للموارد المائية التابعة لوزارة الزراعة في تونس، أن المخزون كان متدنيا لأقصى درجاته. ويقع المخزون الاستراتيجي لتونس من المياه أساسا على مستوى سدي سيدي البراق في ولاية (محافظة) باجة وبربرة في ولاية جندوبة، بالشمال الغربي للبلاد. وقامت وزارة الزراعة منذ شهر أغسطس الماضي بتفعيل منظومة ضخ تمكن من نقل مياه أقصى الشمال نحو منظومة الشمال بالمرور من سيدي البراق نحو جومين وسجنان من ولاية بنزرت، لتصل المياه إلى منطقة تونس الكبرى وجزئيا إلى الساحل (سوسة والمنستير والمهدية) وصفاقس. وقال خنفير إن كميات المياه التي يحتوي عليها المخزون الاستراتيجي تتميز بأمرين إيجابيين هما نوعية المياه وهي نوعية ممتازة نتيجة عدم ارتفاع نسبة الملوحة فيها. والخاصية الإيجابية الثانية هي أهمية هذه الكميات المائية “بإمكانية التخفيف من مشكلات توزيع المياه خلال أشهر الصيف”. وأكد أن اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي لن يمكن تونس من تجاوز كل مشكلات توزيع المياه، إذ تبقى المشكلة الأكبر نقص المياه في المجال الزراعي خاصة في المناطق المروية.رشيد خنفير: المخزون الاستراتيجي لن يمكن تونس من تجاوز كل المشكلات وتسعى المصالح الحكومية إلى تجاوز مشكلات المياه، حيث تعمل على مشاريع لحفر آبار إضافية ومد شبكات توزيع المياه لتزويد المناطق التي تشهد صعوبات في الضخ بفعل الطلب المتزايد على المياه. كما تم إنجاز أعمال صيانة عديدة لشبكة توزيع المياه أو تجديدها أو توسيعها. ويصل طول المنظومة المائية في تونس إلى 52 ألف كيلومتر. وأرجع المرصد التونسي للمياه، في وقت سابق، تعمق أزمة انقطاع المياه إلى ندرة الموارد المائية وسوء التصرف داخل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والسياسات الخاطئة لوزارة الفلاحة. كما رأى أن تقادم البنية التحتية لشبكات المياه ونقص تجهيزات الصيانة ساهم كثيرا في احتدام الأزمة. وتشير بيانات صادرة عن شركة استغلال وتوزيع المياه في تونس إلى أن 42 بالمئة من قنواتها قديمة، حيث يفوق عمرها الـ25 سنة. وتونس من بين بلدان العالم التي ترزح تحت عتبة الفقر المائي بمعدل 450 لترا من المياه للفرد الواحد، ومن المنتظر أن يبلغ المعدل 350 لترا خلال 2035. وتقدر النسبة العالمية بـ1000 لتر للفرد الواحد. وأكد خنفير وجود جملة من الحلول لمعالجة أزمة المياه في تونس منها ما هو وقتي وظرفي ومنها ما هو مستقبلي. وقال إن وزارة الزراعة في تونس بدأت في تنفيذ حلول وقتية منها استعمال مياه الشمال لتخفيف حدة أزمة المياه في البلاد. ويقارب حجم الموارد المائية الجوفية في تونس حجم المياه السطحية، فنسبة 80 بالمئة من المياه السطحية تقع في الهضاب الجبلية الشمالية الغربية، بينما توجد 91 بالمئة من الحاجيات للمياه في الشريط الساحلي للبلاد حيث تتجمع المدن والمناطق الصناعية والنشاط السياحي الكثيف، مما يجعل الإقبال مرتفعا جدا على استهلاك المياه. كما اعتمدت الوزارة برنامجا حكوميا لتقسيط مياه الري بالنسبة للمناطق المعنية بها. وبحسب خنفير تطرح الحلول المستقبلية ضرورة إيجاد موارد إضافية لمياه الشرب وتعميم برامج تحلية مياه البحر في المناطق التي لديها طلب متزايد على المياه. كما يقترح خنفير ضرورة تحسين التصرف وإدارة الموارد المائية خاصة في فترات الجفاف. وقال إنه بالمناطق البعيدة عن ساحل البحر تتوفر العديد من الموارد المائية التي يمكن استغلالها، ومن بينها الآبار العميقة. وعرفت العديد من جهات البلاد اضطرابات وانقطاعا في التزود بمياه الشرب خلال فصل الصيف الماضي. ويقدر مختصون أن الأمر سيتكرر من جديد هذا العام. وبدأت الحكومة التونسية في مشاريع إنجاز محطات لتحلية مياه البحر، من بينها محطة جربة من ولاية مدنين (جنوب) التي وصفتها المصادر الرسمية بأنها “الأولى من نوعها”. وستليها محطات تحلية مياه البحر في أماكن أخرى من بينها منطقة الزارات (قابس) وقرقنة (صفاقس) وبصفاقس. كما تم وضع خطة عمل خاصة بالولايات التي شهدت اضطرابات التزويد بمياه الشرب. ويهدف البرنامج أساسا إلى تسريع إنهاء مشاريع قيد الإنجاز وحفر آبار جديدة في الولايات التي بها موائد جوفية وصيانة قنوات توزيع المياه. وتتجدد مشكلات توزيع المياه ونقصها من فترة إلى أخرى، لكن المسؤولين الحكوميين يؤكدون أن الأمر لم يتطور لدرجة الحديث عن أزمة مياه في تونس، مشددين على أنه مجرد مشكلات ترتبط بالعوامل المناخية المتمثلة في تراجع كميات الأمطار.
مشاركة :