الوزير يمارس عادة حق الملح والطبيب والمهندس والصحافي والمدرّس والحرفي والسبّاك والنجار وعامل البناء، الجميع يفعل السلوك ذاته، بطرق عدة، وتعاطيات مختلفة مع الأمر، لكنها بالأخير تصب في معين التقدير والإعتراف بالجهد المبذول. العرب رابعة الختام [نُشر في 2017/07/03، العدد: 10680، ص(21)] حق الملح.. عادة تونسية رائعة هي في حقيقتها، اعتراف من الزوج بأهمية الدور المحوري، الفاعل الذي تلعبه زوجته في حياته وحياة أبنائه، كونها أساس الأسرة وعمود الخيمة الذي يهرع إليه الجميع، تتلخص العادة الجميلة في أن الزوجة تنتظر زوجها في صباح يوم عيد الفطر وهي في أبهى زينتها وكامل حليها بعد أن رتبت بيتها وقامت بتبخيره، ممسكة بطبق من الحلوى الشهية وفنجان من القهوة العربية وبعد أن يتناول الزوج قهوته، يعيد الفنجان للزوجة ولكن لا يعيده فارغاً وإنما يضع فيه قطعة من الحلي سواء من الذهب أو الفضة، كلً بحسب إمكانياته وقدرته تقديراً لمجهودات الزوجة طيلة شهر رمضان وطهيها ما لذ وطاب من الأطباق الشهية لكافة أفراد العائلة وإسعاد الجميع إلى جانب تأدية فروضها الدينية كالجميع، واضطرارها لتذوق الطعام على الرغم من صيامها، وإعداد الولائم والمائدة الرمضانية العامرة بغض النظر عن حالتها النفسية والصحية، وقد يدركها مرضها الشهري مرتين أو مرة على الأقل خلال الشهر الكريم. حق الملح سلوك متغلغل في قلوب البعض من الأزواج وعقلياتهم بغض النظر عن المسميات، بإختلاف الثقافات والبيئات، والمناصب والوظائف والمهن، هناك من لا يسميه حق الملح ولا يعرف أساسا ما هو حق الملح، بل لا يجهد عقله بالبحث عن تسمية لائقة، وإنما يعبّر عن حبه بطريقة ما، تختلف الأساليب، وتتباين التسميات، ولكن يبقى الحب هو القاسم المشترك لسلوك راق في التعبير والتقدير لامرأة بذلت الجهد والسهر من أجل إسعاد أسرتها. طوال شهر رمضان تضج مواقع التواصل الإجتماعي بالسخرية والتهكم من حق الملح الذي لا يطبق، وعدم مراعاة البعض من الرجال لزوجاتهم، والكلام من قبيل (ماجانا حق الملح ولا حق السكر، ولا حق الطحين، ولا حق اللسع من الفرن)، وغالبا ما تاتي التعليقات مصحوبة بصور طريفة. تحكي نساء الزمن الجميل كما يحلو للبعض أن يطلق على الزمن الفائت، أو جيل الأمهات والجدات عن سلوك الأزواج في مثل هذه المناسبات قائلات “اليوم الأول للعيد كان عيداً بحد ذاته فالزوج غالباً ما يفاجأ زوجته بهدية بسيطة أو مبلغ من المال "عيدية" تحت الوسادة كل حسب ظروفه، ومن الرجال من يشتري قطعة من الذهب إلى جانب بعض الأوراق المالية الجديدة ابتهاجاً بالعيد وتعبيراً عن الحب والمودة للزوجة وتقديراً لمجهوداتها المبذولة طيلة الشهر الكريم، يتساوى في ذلك الجميع فالوزير يمارس عادة حق الملح والطبيب والمهندس والصحافي والمدرّس والحرفي والسبّاك والنجار وعامل البناء، الجميع يفعل السلوك ذاته، بطرق عدة، وتعاطيات مختلفة مع الأمر، لكنها بالأخير تصب في معين التقدير والإعتراف بالجهد المبذول”. ومن أطرف المواقف حين طالبت زوجة زوجها بحق الملح فأتى في المساء بعشرة أكياس من الملح، ضاحكاً يقول لها “هذا الملح عوضاً عن تقصيري في الأعوام الماضية”. هي رومانسية مغموسة في الحب، تحلق في سماء المشاعر الدافئة حيناً، وتهبط إلى أرض الواقع فتتبلور إلى هدايا عينية تتلقاها المرأة مبتهجة، سعيدة برجل لا ينكر دورها في حياته، تكريماً لها واعترافاً بالجميل، أو ترتقي لرومانسية غارقة في الخيال ونابتة في الأذن، كلمات رقيقة لا تقل أهمية وبهاء عن الهدية، كلمات تترك ذات الذكرى التي تتركها الهدية بل قد تتفوق عليها في القيمة والمعنى، فالزوج الذي يمشط شعر زوجته بيديه ويلامس وجنتيها بقفا يديه، يقبل يديها أو جبهتها، إنما يمنح زوجته ما هو أعظم وأغلى من الهدايا والذهب والفضة، يعطيها ما إن فتحت خزانة ذكرياتها وجدته أغلى وأغنى آيات الحب، هدية لا تقل قيمة عن هدايا تباع وتشترى، تتبعثر في الأسواق ولدى المحال التجارية العمومية، تتناقلها أيادي الكثير وتتفحصها النساء وكذلك الرجال وفقا لقوانين العرض والطلب، قد تحلم الكثيرات بحق الملح المترجم إلى أقراط وحقائب مملوءة بالهدايا الثمينة، تقبع في بطن خزانة ملابس، أو تحويها صناديق فخمة من الأصداف، لكن قطعاً تظل الهدية الأبقى في القلب هى الرقة المحمولة بين ثنايا الكلمات، وعشق تفرد الزوج في التعبير عنه فلا يتماثل مع هدية زوج أخر. كاتبة مصريةرابعة الختام
مشاركة :