مقدمة في ظل مشهد مصري يبدو شديد الإرباك والتعقيد، وفي ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية متأزمة، تلوح في الأفق "انتخابات الرئاسة" المزمع عقدها في مايو 2018 القادم، لتمثل مفصلاً جديداً في مسار المشهد المصري المتأزم والذي سيلقي بظلاله على المسارين الثوري والسياسي، وفي ظل نظام سلطوي رسخ وجوده من خلال ممارسات قمعية ومذابح لم يشهد لها مثيل في تاريخ مصر الحديث، كان من نتائجها آلاف القتلى واعتقال عشرات الآلاف، واستمرار التضييق والملاحقات الأمنية لكل من يُبدي أية معارضة للنظام، يأتي الحديث عن "انتخابات 2018" ليُحدث حالة من الجدل داخل القوى السياسية الرافضة والمعارضة للنظام، بين من يرى بأهمية ووجوب المشاركة في "انتخابات 2018" واعتبارها فرصة يمكن استثمارها، وبين من يرى بوجوب الامتناع عن المشاركة في "انتخابات" سيكون المستفيد الأول منها هو النظام نفسه. يحتاج الأمر إلى دراسة متأنية تتناول الأفكار والمبررات لدى الطرفين، المؤيد والرافض للمشاركة في "انتخابات 2018" ومحاولة الإجابة عن أسئلة محورية تقدم فهماً كلياً للمشهد السياسي ومن ثم استشراف ما يمكن أن تؤول إليه مشاركة أو امتناع القوى السياسية الرافضة والمعارضة للنظام عن "انتخابات 2018" وطرح رؤية عن ما يمكن أن تقوم به القوى السياسية في تعاملها مع "انتخابات 2018". أولاً: محددات المشهد السياسي في مصر: بعد مرور 4 سنوات منذ انقلاب 3 يوليو 2013، يبدو النظام مستقراً من خلال إحكام قبضته الأمنية، ولكن هذا الاستقرار الظاهر يأتي فوق مجتمع يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وبالرغم من تخوفات لاتزال عالقة بمخيلة الكثير من ثورة أو احتجاجات واسعة تصل إلى واقع أسوأ يتراءى للجميع، في محيط الإقليم ومع غياب بديل سياسي للنظام الحالي بعد أن تم حرق وتشويه كل من هو داخل الحياة السياسية المصرية قبل وبعد ثورة يناير، تظل حالة الغضب التي تبدو كامنة قابلة للإثارة في أي وقت وربما بدون مقدمات، وهو ما يعيه النظام الحالي جيداً ويعمد لخنق وطمس أي مساحة يمكن أن يعبر فيها الشعب عن غضبه، وهنا تبرز مجموعة من المحددات الأساسية، التي تحيط بمشهد "انتخابات 2018"، منها: 1ـ الاتجاه الى الصراعات الصفرية: إن النظام منكفئ على نفسه لا يفهم إلا الصراعات الصفرية مع محيطه، حيث حول النظام صراعاته الداخلية إلى صراعات صفرية، ودخل في صراع صفري ليس مع الإخوان المسلمين فقط كما يحاول أن يظهر من خلال وسائله الإعلامية، ولكن صراعه يمتد إلى كل من يُمكن أن يمثل تهديداً ما على مصالحه وعلى وجوده، بل إن هذا النظام لا يتردد في خسارة حلفائه وشركائه إذا ما وجهوا إليه نقداً أو مساءلةً ما. 2ـ جدران الدم والكراهية: إن حجم المظالم والانتهاكات التي مارسها النظام ضد قطاعات واسعة من أبناء الشعب المصري من خلال احتكاره للمؤسسات الأمنية للدولة، ودفعها لتكون أداة لتلك الممارسات، وأقام ما يمكن أن نسميه فواصل وجدران الدم والكراهية بين أبناء الشعب وتسبب في خلق مجتمع ممزق اجتماعياً، وتُمثل تلك الجدران الدعامات الرئيسية لبقاء النظام ووجوده، حيث يعي جيداً أنه كلما ظلت هذه الجدران بين أبناء الشعب تمسك بوجوده قطاعات ليست بالقليلة من الشعب، تخوفاً من أي تهديدات لاضطرابات اجتماعية محتملة. 3ـ شرعية الضرورة: إن النظام الحالي صُمم ليخدم جماعات مصالح كما كان في عهد مبارك، إلا أن جماعات المصالح تسيطر عليها العقلية العسكرية والأمنية، وإذا ما شكَل الملعب السياسي الذي يتنافس فيه النظام مع أي معارضة تهديداً لمصالحه ووجوده، فعلينا أن نكون على استعداد وتوقع من أن يدفع هذا النظام إلى تحويل ذلك الملعب السياسي إلى ساحة معركة يعرف جيداً كيف يديرها ويمتلك كل أدواتها التي تبتعد تماماً عن الأدوات السياسية. وبالرغم أن الأزمات الاقتصادية وعدم القدرة على مواجهة الإرهاب وفرض الأمن والاستقرار تنال من شعبية النظام، إلا أنه يستخدم فزاعة الإرهاب والأوضاع الاقتصادية المتأزمة، كغذاء يعيش عليه جسد النظام ويوفر له المبررات لسياسات البطش الأمني والتضييق والحصار السياسي والقرارات الاقتصادية القاسية، وهو ما يمنح النظام ما يمكن أن نطلق عليه "شرعية الضرورة"، وهي شرعية لا تعتمد بالأساس على شعبية النظام ولكن على عدم وجود بديل، حيث يستطيع أن يقدم الحماية في ظل أوضاع أمنية مضطربة، ويبقى النظام المهيمن على المؤسسة العسكرية صاحبة القوة التي تستطيع تقديم الحماية للمواطنين هو المتحصل على تلك الشرعية بغض النظر عن سلبياته أو شعبيته المتناقصة. 4ـ هيمنة المؤسسة العسكرية: بالرغم من أن العلاقة بين رأس السلطة وبين الجيش ظلت دائماً علاقة بالغة الحساسية والتعقيد لما يتمتع به الجيش من قوة وتماسك، تجعله القوة الأولى داخل البلاد، وربما اتخذت تلك العلاقة أشكالاً مختلفة في عهد كل من عبد الناصر والسادات ومبارك، إلا أنها ظلت دائماً في وضع يقدم ضمانات مرضية بين الطرفين، ولم يختلف الوضع كثيراً في شكل العلاقة بين السيسي والجيش، إلا أن حجم سيطرة السيسي على الجيش تبدو أكبر من سابقيه لعدة أسباب نشير إليها هنا: (أ)حماية مصالح الجيش: فقد مثَل وصول أحد جنرالات الجيش إلى الرئاسة بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، ضمانة مباشرة لحماية مصالح الجيش الخاصة وعدم المساس بها بداية من الموازنة وحجم الإنفاقات ونهاية بالمؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش، حيث بدا أن هذه الأمور، وفي وقت سابق بعد ثورة يناير، معرضة للمراقبة المدنية في سياق إصلاح العلاقات المدنية العسكرية المأمول في وقتها، وهو الأمر الذي مثل تهديداً مباشراً لمصالح الجيش وفتح صراعاً خفياً بين جنرالات الجيش وقوى الثورة امتد حتى انقلاب الثالث من يوليو. (ب)الحفاظ على تماسك وعدم انشقاق القيادة العسكرية: فقد عمد السيسي إلى تغييرات كبيرة داخل المجلس العسكري وتكفي الإشارة هنا أن 18 جنرالاً عسكرياً من أصل 25 جنرالاً هم قوام قيادات المجلس العسكري، قد تم تغييرهم بآخرين داخل المجلس العسكري في الفترة ما بين 2014 إلى 2017، وهو ما يعني إعادة تشكيل المجلس العسكري بتركيبة جديدة من جنرالات ستكون أشد ولاء للسيسي، الذي قام بترقيتهم وتعيينهم وفي نفس الوقت إبقاء كبار الجنرالات السابقين في المجلس العسكري في مناصب داخل جهاز الدولة تحافظ على رضاهم المعنوي والمادي، وتُمكن هذه الطريقة من الحفاظ على تماسك القيادة العسكرية حول شخص السيسي من أي انشقاقات مستقبلية محتملة. (ج)ارتباط مصالح مع طبقة الضباط: لم يكتف السيسي بزيادة مرتبات ومعاشات ضباط الجيش أكثر من مرة منذ وصوله إلى الرئاسة لضمان خلق حالة من الرضا داخل طبقة الضباط، بل سمح باتساع مساحة مشاركة الضباط في الأنشطة التجارية الخاصة تزامناً مع دخول الجيش كشريك رئيس في عدد ضخم من المشاريع وفي مجالات مختلفة، وهكذا ارتبطت مصالح طبقة الضباط بمصالح السيسي والنظام نفسه وهو ارتباط بطبيعة الحال يضمن للسيسي تبعية الجيش له بغض النظر عن قناعات الضباط بشخص وسياسات السيسي كرئيس. 5ـ دور الشرطة: بالرغم من أن مساحة النفوذ والسيطرة لجهاز الشرطة داخل منظومة الدولة قد تقلصت بشكل ملحوظ مقارنة بتلك المساحة المتسعة في عهد مبارك وبالأخص في آخر سنوات حكم مبارك وقبل ثورة يناير، إلا أن ارتباط المصالح بين السيسي ونظامه من جهة وبين الشرطة من جهة أخرى قوية وعميقة، أمام تلك المعادلة بالغة التعقيد بين النظام والشرطة، حيث تدرك قيادات وضباط الشرطة، وهي الطبقة الأكثر تأثيراً ونفوذاً داخل جهاز الشرطة أن النظام قد استخدم جهاز الشرطة بشكل مباشر في قمع معارضيه وفي الممارسات خارج القانون التي أراد النظام تنفيذها، وهو ما يعني أن تغييراً في رأس السلطة يمس منظومة الحكم سيكون بطبيعة الحال أول المتضررين منه وبشكل مباشر هم قيادات وضباط الشرطة أنفسهم، معادلة الارتباط هنا لا تمثل فقط مجرد مصالح ثروة ونفوذ وإنما بالأساس ارتباط حياة ووجود، وهو ما يجعل ذلك الارتباط القائم متماسكاً وإن تخللته اضطرابات أو توترات في العلاقة بين الطرفين في بعض الأوقات. 6ـ دور رجال الأعمال: برز دور وحجم رجال الأعمال بشكل كبير أثناء حكم مبارك نتيجة عملية بيع الأصول التي تمتلكها الدولة في ذلك الوقت وصاحب هذه العملية انتقال احتكار الدولة إلى مجموعة صغيرة من رجال الأعمال، إلا أن هذا الاحتكار الذي انتقل من الدولة إلى مجموعة من رجال الأعمال ظل تحت سيطرة مبارك، حيث إن هذه الطبقة الجديدة والصغيرة من رجال الأعمال عُدت منذ بدايتها من أهم داعمي ومناصري حكم مبارك، اختلف الأمر بعد انقلاب الثالث من يوليو حيث أدرك الطرفان، النظام الحالي وطبقة رجال الأعمال أن المعادلة التي كانت موجودة أثناء حكم مبارك أصبح لا وجود لها، وأن على الطرفين إعادة صياغة معادلة جديدة وفق موازين القوى لدى كل طرف، وفي ظل سيطرة النظام بشكل كامل على المؤسسة العسكرية عمد النظام على الدفع إلى بروز المؤسسة العسكرية ليس كمركز قوة عسكرية فقط ولكن كمركز قوة اقتصادية لا يستهان بها لتنتقل تدريجياً الاحتكارات من رجال الأعمال إلى المؤسسة العسكرية، التي قامت في السنوات القليلة الماضية بما يمكن أن نسميه عملية ابتلاع للاقتصاد المصري، ليس بهدف تحقيق أرباح ومكاسب مادية لموازنة نفقاتها العسكرية فقط ولكن أيضاً بهدف تحقيق سيطرة وهيمنة على الاقتصاد المصري. وهو ما ترتب عليه أن موقع رجال الأعمال وحجم قوتهم وتأثيرهم في المشهد السياسي وارتباطهم بالنظام قد تقلص بقدر ليس بالقليل. 7ـ واقع القوى السياسية: إن عملية التقويض والمحاصرة التي مارسها النظام ضد القوى السياسية وتقييد مشاركتها في الحياة السياسية خلقت حالة من العزلة حول الكيانات والرموز السياسية وأدت للانعزال فيما بينها، وانعكست هذه الحالة بشكل واضح على وجود كوادر سياسية فاعلة في المشهد تستطيع تقديم حلول ولو جزئية أو تمتلك جرأة الاشتباك السياسي في مثل هذه الأجواء، وكانت المحصلة وجود قوى سياسية رافضة ومعارضة للنظام لا تمتلك إلا النقد دون أن تمتلك مشروعاً واضح الملامح لمقاومة النظام أو تمتلك الإجابة على السؤال الأهم، ما هو البديل بعد إزاحة رأس النظام؟ إن أبرز التحديات في ظل وجود أي حكم سلطوي هي غياب البديل، ويتحول هذا التحدي مع استمرار الوقت إلى ما يمكن ان نطلق عليه "المعاناة الصامتة" للشعب، حيث لا يقتصر التحدى على مجرد ايجاد البديل في صورة شخص ولكن امتلاك رؤية لكل ما يتعلق بإدارة البلاد من تحديات داخلية وخارجية. 8ـ العامل الإقليمي والدولي: فتأثير توازنات القوى الإقليمية والدولية على مسار الانتخابات الرئاسية هو عامل لا يمكن إغفاله أو حتى التقليل من دوره، بل إن هذا التأثير سيتزايد وبشكل واضح خاصة وبعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، حيث بدا واضحاً منذ قدوم ترامب أن هناك اتجاهاً داخل الإدارة الأميركية الجديدة إلى دعم السيسي ودفعه إلى تأدية أدوار في الأزمات الإقليمية الحالية تتوافق مع وجهة النظر الأميركية، يؤدي هذا الدعم الأميركي للسيسي والنظام المصري إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ومعها بعض القوى الإقليمية فيما يبدو لن تسمح بتغيير ديمقراطي في المشهد المصري على أقل تقدير في الوقت الحالي، إلا أنه مع حجم المتغيرات والمستجدات الدولية والإقليمية المتزايد وتبدل خرائط التحالفات المتسارع والمستمر لا يمكن الجزم بمواقف الولايات المتحدة أو القوى الإقليمية والتي ربما تشهد تغيراً حاداً خلال هذا العام وقبل الوصول إلى انتخابات 2018 بما يُمكن أن يُشكل فرصة للدخول في منافسة انتخابية تفضي إلى تغيير في المشهد السياسي المصري. ثانياً: النظام وأهداف انتخابات 2018: استباق الحديث عن "انتخابات" 2018 والذي دشنه السيسي ونظامه قبل عام من إجراء الانتخابات وبدا واضحاً من الحماسة التي تناول بها الإعلام التابع للنظام الحديث عن الانتخابات، يدعو إلى الوقوف والتفكر في أهداف السيسي ونظامه من الخوض في حديث "الانتخابات" مبكراً وفي هكذا توقيت، ومحاولة استنتاج الأهداف التي يسعى النظام إلى تحقيقها، والتي لا تبدو صعبة في ظل تصور للصورة الكلية التي يسعى إليها النظام عبر هذه "الانتخابات" واستكمال ديكور المشهد الديمقراطي، الذي يرغب النظام في تسويقه داخلياً وخارجياً، ويمكن هنا أن نرصد أهم تلك الأهداف: 1ـ التحفيز للمشاركة: حديث السيسي والإعلام عن "انتخابات" 2018 وإعطاؤهم رسالة بتحسُب النظام من نتائج الانتخابات وإمكانية المنافسة في السباق الانتخابي لأي مرشح لتُمثل تلك الرسالة دافعاً وحافزاً للآخرين للمشاركة، وربما النجاح في الانتخابات، وهو أمر يسعى النظام إليه، ويمثل أولوية في الوصول إلى مظهر تبدو عليه العملية الانتخابية مكتملة بمشاركة مرشحين من أطياف مختلفة وإعطائهم الزخم اللازم، لتبدو "الانتخابات" أمام الجميع في صورة تنافسيه حقيقية. 2ـ إبراز المنافسين والقضاء عليهم: إظهار وإبراز كل من ينوي أو يرغب في خوض سباق الانتخابات الرئاسية أمام الإعلام والجماهير والهدف هنا هو إخراج المنافسين وكشف خططهم وأهدافهم، ثم ما إن يصبحوا معلنين أمام الشعب سيكتفي النظام بعامل الوقت الذي سيستغله في حرب تشويه وتقزيم غير معلنة تُجهز على المنافسين في وقت كاف قبل انطلاق الانتخابات في مايو 2018. 3ـ استهلاك الوقت: استهلاك الوقت في مساحة الحديث عن العملية الانتخابية والمنافسة والمشاركة في تلك العملية والابتعاد عن مساحة الأزمات المعيشية اليومية والإخفاقات الاقتصادية من أجل كسب الوقت والوصول إلى "انتخابات 2018" وهي مرحلة يسعى النظام إلى الوصول إليها وتخطيها دون أي معوقات. 4ـ تعزيز الشرعية: وهو من أهم الأهداف التي يسعى إليها النظام، لأنه رغم مرور 4 سنوات على انقلاب 3 يوليو 2013، ما زال النظام يعاني من أزمة كبيرة فى شرعيته الداخلية، والخارجية، وما زالت القوى المقاومة للانقلاب تهدد هذه الشرعية وتطعن فيها، رغم الضغوط الداخلية والخارجية الكبيرة التي تتعرض لها. ثالثاً: جدل المعارضين والمؤيدين: (أ) مؤيدو المشاركة: المنطلقات والأفكار التي ينطلق منها مؤيدو المشاركة في "الانتخابات" تأتي في سياق السعي إلى تحول ديمقراطي من نظام قمعي إلى نظام ديمقراطي وهو ما يعيه جيداً مؤيدو المشاركة، ويعون أيضاً بالتبعية أن هذا الطريق طويل وبطيء والمكاسب المتحققة فيه لا تأتي بالشكل المثالي المرغوب فيه، ومع قدر ليس بالقليل من التنازلات، إلا أنه في نفس الوقت يرون أنه يمكن أن تكون هناك بعض المكاسب المتحققة خلال المشاركة في "الانتخابات": 1ـ تقويض وإضعاف النظام: السعي إلى إضعاف النظام وتقويضه يمثل أحد أهم المبررات التي يستند إليها مؤيدو المشاركة في العملية الانتخابية، حيث أن دخول مرشحين في منافسة انتخابية أمام السيسي وبغض النظر عن نتائج الانتخابات سيخلق بطبيعة الحال ساحة معركة انتخابية يضغط كل أطرافها على السيسي والنظام عبر أدواتهم التي يمتلكونها وسيؤدي ذلك إلى استنفاذ طاقة النظام في معركة يبدو أنها لن تكون سهلة، في ظل متغيرات داخلية وإقليمية متسارعة، ومن ناحية أخرى سيسعى النظام جاهداً لتخطي عقبة الانتخابات عبر ممارسات وإجراءات قد تتسبب في كشفه ومن ثم إضعافه داخلياً وتقويض شرعيته خارجياً. 2ـ نواة لمعارضة سياسية حقيقية حيث يرى أنصار هذا الاتجاه أن عودة الحياة السياسية من خلال المشاركة في المنافسة الانتخابية يمكن أن يساهم في خلق نواة لمعارضة سياسية قادرة على فعل سياسي حقيقي أو حراك شعبي بشكل جديد ومختلف عن سابقيه، والمساهمة أيضاً في بناء الخبرات السياسية لكوادر شبابية جديدة كادت أن تختفي تماماً منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وتمثل مشاركتهم في حملات مرشحي الانتخابات بداية لممارسة العمل السياسي. 3ـ تخفيف القبضة الأمنية العمل على تقليل الخسائر التي أصابت الحياة السياسية والحريات العامة وتخفيف القبضة الأمنية، وهو ما يعد، من وجهة نظرهم، مكسباً حقيقياً بعيداً عن التحليق في فضاء تحقيق نصر كامل على النظام. (ب) معارضو المشاركة: يستند معارضو المشاركة في "انتخابات 2018" إلى عدة مسوغات رئيسية، منها: 1ـ التخلي عن شرعية مرسي: فمجرد المشاركة في "الانتخابات" القادمة هو تنازل عن شرعية أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة يناير، وإقرار لمبدأ تجاوز نتائج صناديق الانتخابات، وهو ما ينضوي على تناقض واضح في السعي مرة أخرى إلى صناديق الانتخابات. 2ـ ترسيخ شرعية النظام الانقلابي: فالمشاركة في الانتخابات بغض النظر عن حجمها أو أهدافها أو الشخوص التي تقف وراءها ستمثل بشكل ما ترسيخ لشرعية النظام الحالي وإضفاء الإطار الديمقراطي الملائم للعملية الانتخابية وهو الأمر الذي يحتاجه النظام في تسويق داخلي وخارجي لعملية انتخابية تبدو ديمقراطية وسليمة. 3ـ اعتراف ضمني بنهاية المسار الثوري: الاعتراف بنهاية المسار والعمل الثوري والعودة إلى مربع العمل السياسي تحت سقف النظام ووفق الحدود والأطر التي يسمح بها. 4ـ غياب المناخ السياسي الملائم:حيث سيكون من الصعوبة بمكان الحديث عن عملية انتخابية وفق ما تقتضيه من ضمانات وتمهيد يشمل إجراءات ولو جزئية، تعيد الحياة السياسية التي تشهد حالة من الركود غير المسبوق إلى حالة تسمح بالمشاركة الفعالة في التنافس الانتخابي، ومن ناحية أخرى استمرار النظام في احتكار مؤسسات الدولة، في ظل إعلام موجه لصالح النظام، وغياب منظمات المجتمع المدني الفعالة بما يشير إلى غياب المناخ السياسي الملائم للعملية الانتخابية. رابعاً: الانتخابات وجدل الرهانات السياسية من المعايير المهمة في مناقشة المشاركة في "انتخابات 2018"، معيار الرهانات على تحقيق عدد من الأهداف السياسية، فما هي هذه الأهداف التي تراهن القوى السياسية على تحقيقها من خلال المشاركة في هذه "الانتخابات" وما هي أوزانها النسبية بالمقارنة بالمكاسب المحتملة التي يمكن أن يتحصل عليها النظام نتيجة المشاركة: 1ـ إزاحة السيسي عبر صناديق الانتخابات: عند الحديث عن إزاحة السيسي من رأس السلطة تأتي أهمية الإشارة إلى مدى تأثير رحيل السيسي كشخص على المنظومة الموجودة حالياً، وما إذا كانت إزاحته تمثل تغييراً حقيقياً في منظومة الحكم، فهذه الإزاحة أمر لا يتعدى تغيير اسم من يشغل منصب الرئاسة، فيما إذا ظلت المنظومة وفي القلب منها المؤسسة العسكرية هي المهيمنة على كل الجوانب السياسية والاقتصادية داخل البلاد، إلا أنه في نفس الوقت أمر لا يمكن التقليل من أهميته حيث يمكن اعتبار إزاحة السيسي، لحظة ضعف للمؤسسة العسكرية والمنظومة المتحكمة في المشهد وهو ما يمكن استثماره سياسياً في الضغط للحصول على بعض الاصلاحات السياسية، ويمكن أن تمثل تلك الخطوة فيما بعد تمهيداً لخطوتين متتاليتين بالغتي التأثير والأهمية في مسار التغيير الحقيقي لمنظومة الحكم وهما: خروج المؤسسة العسكرية من السلطة، على أن تظل حاضرة ومشاركة في العملية السياسية، ثم خروجها تالياً من العملية السياسية وهو أمر لن يأتي إلا عبر إصلاحات طويلة في العلاقات المدنية العسكرية خاصة وأن طبيعة تلك العلاقات في الحالة المصرية تبدو معقدة ومشتبكة جداً. لكن هذا الهدف (الإزاحة) في ظل هيمنة وسيطرة السيسي والنظام الحالي على الحياة السياسية، من جهة، وغياب الضوابط والمعايير الإعلامية والقضائية التي يمكن أن تساهم في إنتاج عملية انتخابية صحيحة وديمقراطية تعبر عن رغبة الشعب الحقيقية، من جهة ثانية، تصبح إزاحة السيسي عبر صناديق الانتخابات أمراً بعيداً عن الواقع في الوقت الراهن وسيكون الحديث والمناقشة حول مشاركة في انتخابات لتحقيق أهداف ليس من بينها النجاح في العملية الانتخابية وإسقاط السيسي وإزاحته من على رأس السلطة أقرب إلى الواقع وأكثر ملاءمة للمناخ السياسي الذي تعاني منه مصر في الوقت الحالي. 2ـ الانتخابات كفرصة لتكوين نواة لمعارضة سياسية حقيقية: يعتمد هذا الهدف على استراتيجية "اخسر معركة واربح حرباً" بمعنى أن المشاركة في الانتخابات لا تأتي في إطار السعي إلى الفوز بها وإنما في إطار تحقيق هدف أو مجموعة أهداف في ظل رؤية شاملة وبعيدة المدى للتغيير، حيث تأتي المشاركة في الانتخابات بهدف تكوين نواة لتحالف سياسي يضم فاعلين وناشطين سياسيين يمكن أن يمثلوا فيما بعد معارضة سياسية فاعلة، مع إكساب كوادر سياسية جديدة القدرة على الفعل السياسي والمساهمة في إعادة إحياء الحياة السياسية. ويعتمد تحقيق هذا الهدف بشكل رئيسي على توفر بيئة سياسية ملائمة للقيام بالممارسات والإجراءات التي يتطلبها الدخول في العملية الانتخابية والتي تمنح المشاركين في المنافسة الانتخابية فرص تكوين تحالفات مع قوى سياسية وضم كوادر شبابية للحملة الانتخابية، وهو أمر من الصعوبة بمكان في ظل بيئة شديدة الانغلاق ويحكمها الحصار والتقييد للرموز والقوى السياسية والتعامل بمنهجية أمنية مع أي فعل سياسي ليس تحت مظلة النظام الحاكم. 3ـ المشاركة في الانتخابات كفرصة لإصلاح جزئي للمنظومة الحالية: يستدعي هذا الهدف فكرته من نماذج سياسية في فترة حكم مبارك سعت إلى إصلاحات جزئية داخل المنظومة وساهمت في تقديم بعض الإصلاحات السياسية في وقتها، لكن استدعاء تلك التجارب وإسقاطها على السياقات الحالية، يبدو أنه استدعاء وتكرار لوسائل استهلكت واستنفذت في الماضي، ولا يبدو أنها تتناسب مع الواقع الحالي. فالتعويل هنا على أي إصلاحات أو قوانين أو تشريعات مكتسبة تساهم في عودة الحياة السياسية مرة أخرى في ظل نظام لا يحترم القانون أو الدستور، يعد أمراً لا يستند إلى واقع ممارسات وانتهاكات النظام الحالي ومدى وجدية التزامه بالقوانين والتشريعات، وربما يتحول الأمر إلى استنفاذ للطاقات والوقت في معارك قانونية طويلة الأمد للظفر بقانون أو تشريع يقدم إصلاحاً جزئياً داخل منظومة لن تلتزم بتطبيقه في المستقبل. 4ـ الانتخابات كفرصة لتحريك الشارع ضد النظام: حيث يرى البعض أن السيسي ونظامه يدركان خطورة الوقوع تحت ضغط شعبي بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية وهو الأمر الذي سيضطر معه النظام مرغماً إلى الامتناع أو التقليل من استخدام القوة والقمع المعتاد على استخدامها في مواقف مشابهة، ربما تمثل هذه اللحظة فرصة ملائمة في وجود حالة الاستياء الشعبي الكامن والضيق المعيشي المتزايد بسبب الأزمات الاقتصادية، وفي ظل غياب الأمل في حدوث أي إصلاحات قريبة يمكن أن تصبح عودة الحياة مرة أخرى للشارع للتعبير عن الغضب والتململ ممكنة مع توفر تلك المساحة التي ستصاحب العملية الانتخابية، لتمثل بداية لكسر جدار الخوف وربما تمثل بداية حقيقية لعودة الاحتجاجات إلى الشارع وإحياء روح الثورة مرة أخرى.خلاصة: إن الوعي المتشكل حول المخاطر والعواقب المترتبة من الاشتباك مع الانتخابات الرئاسية لا يجب أن يدفع القوى السياسية إلى التخوف من المشاركة أو المقاطعة فالعبرة هنا ليست في المشاركة أو المقاطعة ولكن العبرة بمدى القدرة والفاعلية في تحقيق الأهداف التي من أجلِها اتخذ قرار المشاركة أو المقاطعة. إن بقاء الوضع الحالي كما هو دون أدنى حركة أو فعل أو تجربة، قد تصيب أو تخطئ، يساهم في زيادة تعقيد المشهد والابتعاد عن تحقيق أي أهداف لصالح الوطن والثورة، وفي الوقت نفسه يساهم في إمعان النظام في ممارساته وإجراءاته دون أدنى خوف من محاسبة، ولابد أن يكون هناك فعل مؤثر واشتباك مع الحدث سواءً عبر مشاركة تطالب بضمانات وتدفع بمطالب محددة في إطار مشروع سياسي وطني بديل، أو مقاطعة واعية يتخللها فعل سياسي، وليس مجرد مقاطعة ساكنة عبر بيانات تساهم في إبقاء حالة الركود السياسي. ولابد أن يكون هناك استثمار للفرصة التي ستصاحب العملية الانتخابية عبر التحرك في الشارع وخلق قوة شعبية تتسع مساحتها مع الوقت وتساهم في عودة الحركة للشارع مرة أخرى وتساهم في إضعاف وتقويض النظام، وعبر التواصل مع القوى السياسية وبناء الجبهات، هذا الاشتباك يمكن أن يشكل نواة حركة أو جبهة وطنية قابلة للاستمرار والضغط والتأثير في المشهد دون مهادنة. إن عملية تغيير الأنظمة الاستبدادية تظل عملية معقدة يشتبك فيها العمل الثوري مع العمل السياسي وربما تكون المشاركة بمطالب أو المقاطعة الواعية أفضل من الانعزال عن ساحة المعركة الانتخابية، وتمثل خطوة على الطريق تستحق المناقشة والإنضاج على أن ندرك بواقعية أنه في ظل القدرات المحدودة للقوى الرافضة والمعارضة للنظام لا مانع من أن نسلك مسارات قد تبدو بعيدة عن أحلامنا وأهدافنا الرئيسية بتغيير حقيقي إذا كانت من الممكن أن تؤدي إلى نجاحات جزئية فهي على كل حال أفضل بكثير من حالة الركود الحادثة في المشهد بعمومه(1). --------------------------------الهامش (1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :