فوضى سياسية تعصف بصفقات استثمارية كبيرة في إيران

  • 7/3/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

طهران - توقع كثيرون اندفاعة قوية في مجال الاستثمار في إيران بعد الاتفاق الدولي حول ملفها النووي في العام 2015 ورفع العقوبات، لكن رغم وصول آلاف الوفود إلى طهران من اسيا وأوروبا وغيرها، لا تزال الصفقات الكبيرة غائبة. وهذا ما يجعل من الاتفاق مع الشركة العملاقة الفرنسية توتال، مشروع بكلفة 4.9 مليارات دولار مدته 20 عاما لتطوير حقل للغاز البحري في إيران، اختراقا بالنسبة لهذا البلد. والواقع أن الاستثمارات الرئيسية قليلة ومتباعدة على خلاف ما كان متوقعا حين هرولت كبرى الشركات لانتزاع فرص استثمارية في سوق كان من المتوقع أن تكون واعدة جدا بعد توقيع الاتفاق النووي. وكانت شركة السيارات الفرنسية بي اس ايه قد وقعت صفقة بقيمة 400 مليون يورو في يونيو/حزيران 2016 لتصنيع سيارات ومركبات من طراز بيجو مع شركة صناعة السيارات الإيرانية خوسرو. وكانت الشركة الفرنسية قد وقعت اتفاقية بقيمة 300 مليون يورو في أكتوبر/تشرين الاول 2016 لتصنيع سيارات من طراز سيتروين مع شركة سايبا الإيرانية. وأعلنت مجموعة اكور الفندقية أنها تعمل على 10 إلى 15 مشروعا في إيران، أملا في الاستفادة من ازدهار السياحة اثر توقيع الاتفاق النووي. اما الصفقات الرئيسية الأخرى فقد كانت للطائرات، لكن الأموال هنا تسير في الاتجاه الآخر على غرار المليارات التي تنفقها شركة الخطوط الإيرانية لشراء 100 طائرة من نوع ايرباص و 80 من طراز بوينغ. كما أن هناك ما يسمى صفقات أولية أو استكشافية من شركات كبرى مثل رينو وهيونداي وشل، لكنها لم تترجم إلى استثمارات فعلية حتى الآن. وكان تقرير للأمم المتحدة نشر في يونيو/حزيران أكد أن اجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران العام الماضي بلغ 3.4 مليارات دولار فقط، أي أقل من 4.7 مليارات دولار تلقتها في العام 2012 قبل العقوبات خصوصا أن الرئيس الإيراني حسن روحاني أشار إلى مبلغ 50 مليار دولار عندما وقع الاتفاق النووي. ويعود أساس تردد المستثمرين في ضخ مليارات الدولارات في السوق الإيرانية إلى العقوبات الأميركية والفوضى الاقتصادية في إيران وإلى حالة من الغموض تكتنف السياسة الإيرانية في ظل صراع خفي ومعلن بين الحكومة الاصلاحية الراغبة في انفتاح أكبر على الخارج والحرس الثوري الذي يدير لوحده امبراطورية ضخمة تمثل دولة داخل الدولة. وكان الحرس الثوري أكبر المستفيدين من العقوبات الغربية حيث هيمن على معظم القطاعات الاقتصادية إلى جانب نشاطه العسكري الصناعي المثير للجدل ونشاطه الخارجي ومن ضمنه التدخلات الخارجية والعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة. ورغم رفع العديد من العقوبات الدولية بموجب الاتفاق النووي، فإن واشنطن أبقت العديد منها وخصوصا تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وتجارب الصواريخ البالستية ودور إيران في النزاعات الإقليمية. ويقوم المشرعون الأميركيون بتشديد هذه العقوبات، ما يسبب قلقا لدى العديد من الشركات الدولية ازاء احتمال مواجهة غرامات كبيرة أو منعها من العمل في الولايات المتحدة. كما أن الرئيس دونالد ترامب هدد بتمزيق الاتفاق النووي. ولاتزال واشنطن تفرض قيودا مشددا على النظام المصرفي الإيراني إلى جانب تجميدها أموالا وأصولا إيرانية في الخارج بينما تواجه طهران دعاوى قضائية ومطالبات بتعويضات لضحايا اعتداءات ارهابية تورطت فيها في السابق. ومنها تفجيرات بيروت 1983 وهي تفجيرات بشاحنين مفخخين. استهدفا مبنيين للقوات الأميركية والفرنسية في بيروت وأودت بحياة 299 جنديا أميركيا وفرنسيا. وتواجه الشركات متاعب شتى محاولة معرفة ما إذا كانت أموالها قد تنتهي في أيدي كيانات خاضعة للعقوبات مثل الحرس الثوري. وهذه مهمة صعبة نظرا لمشاركته الغامضة في كثير من المجالات الاقتصادية الإيرانية. ولكن حتى من دون التهديد بفرض عقوبات، لا تزال إيران تشكل افاقا استثمارية محفوفة بالمخاطر بسبب الفساد المتفشي والبيروقراطية وقطاع مصرفي يعاني من ديون ضخمة وعملة متقلبة. ويثير كل ذلك مخاوف العديد من المستثمرين والأهم من ذلك الحاجة إلى البنوك العالمية لتمويل صفقات طويلة الأجل. ماذا سيحدث بعدها؟ وتتجه كل الانظار إلى واشنطن، حيث تتولى إدارة ترامب مراجعة مدتها 90 يوما لتقرر ما إذا كانت ستتمسك بالاتفاق النووي. ويعتزم الموقعون الآخرون وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا التمسك بالاتفاق، ما يؤكد صعوبة أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات كما كانت تفعل في السابق. لكن لدى الولايات المتحدة سلطات لا مثيل لها لفرض غرامات على الشركات الأجنبية. ويتذكر كثيرون الغرامة البالغة 8.9 مليارات دولار التي فرضت على البنك الفرنسي "بي إن بي باريبا" قبل ثلاث سنوات فقط. وتأمل إيران بأن تمنح صفقة توتال الثقة لشركات أخرى للمجيء وكذلك بالنسبة لأحد المصارف الدولية، ما سيطلق الاندفاعة التي طال انتظارها، لكن في الوقت الراهن، لا تزال الأمور قيد الانتظار. ولا يتوقع أن تحدث اندفاعة سريعة نحو السوق الإيرانية على الاقل في ظل التوترات الجيوسياسية والتي تنذر بتعثر العديد من المشاريع التي تراهن عليها طهران كوصفة عاجلة لتعافي اقتصادها. وفي ظل هذه التطورات لا يتردد المرشد الأعلى في إيران والذي يمثل أعلى مرجعية سياسية ودينية في الدعوة لما يسميه اقتصاد المقاومة، ما يعزز هيمنة الحرس الثوري الإيراني على معظم القطاعات الحيوية ويدفع إيران للمزيد من العزلة والانغلاق. وزادت إيران من انتاجها النفطي بعيد رفع العقوبات لتقترب من مستوى ما كان عليه قبل تلك العقوبات أي عتبة الـ4 ملايين برميل يوميا. لكن حتى هذه الزيادة قد تشهد اضطرابات على ضوء ما تثيره سياساتها من مخاوف لدى المستثمرين الأجانب. وتحتاج طهران بالفعل لتحديث البنية التحتية لقطاع الطاقة، أهم مورد مالي لها إلا أن الأمر يبقى رهين تدفق الاستثمارات الأجنبية وشركات النفط العالمية.

مشاركة :