عراق جديد بلا أكراد د. ماجد السامرائي إذا كان التاريخ لا يسعف أكراد العراق بانتمائهم الأصيل لهذا البلد وقد يأتي اليوم الذي يعلنون فيه أصولهم التاريخية بكونهم قادمين من بلاد شرق آسيا وأرمينيا، فعرب العراق يستطيعون بثقة أن يقولوا إنهم أهل العراق الأصليون وهم المكون الرئيسي له، ولهذا فإن دعوات قيادة البارزاني للانفصال عنه لها ما يبررها قوميا وتاريخيا، قبل مبدأ تقرير المصير الذي أصبح قاعدة سياسية واجتماعية تعاون المطالبين بكيانات مستقلة. فالأكراد يتحدثون بدوافع الأمة القومية في حين عابوا على العرب ذلك واتهموهم بالعنصرية والشوفينية. ألم تحمل الأمة العربية قبلهم جميع مقومات الدولة القومية الحديثة من عرق ودين ولغة وتاريخ وكانت لبشرها دولة واحدة يرفرف على سفوحها علم الدولة العربية العتيدة. لكنهم اصطدموا بواقع التجزئة السياسية المفروضة من الاستعمار، ولم تتمكن قيادات النهوض الثوري العربي التي واجهته وانتصرت عليه من تحقيق هدف إنشاء دولة واحدة لجزئين من الأجزاء الـ22، فقد انتكست وحدة مصر وسوريا عام 1958 ووحدة العراق وسوريا عام 1963، بل لم تتمكن من الصمود وحدة جزئين كانا يحملان علما واحدا ودولة واحدة مثل اليمن. المهم كيف يتعاطى عرب العراق كشعب مع هذه المشكلة ولا نقصد الحكومة الحالية أو المقبلة بعد انتخابات عام 2018. ذلك أن هناك ضبابية وتشابكا سياسيا خلقهما عهد ما بعد 2003، حين أزيحت الهوية العروبية وفرضت بدلها هويات الطائفة، رغم أن مشكلة عرب العراق ليست في هويتهم القومية التي تراجعت بعد التجربة المرة للسلطات السياسية قبل عام 2003 حين تحولت الدولة الوطنية إلى دكتاتورية الحزب الواحد التي لم تمنح القوى الاجتماعية والسياسية حرية التعبير والموقف، حيث كان هاجس ضياع السلطة هو المهيمن على الحياة السياسية مما فسح المجال لبناء معارضات شكلية مصنوعة في دوائر مخابرات الدول المحيطة أو بلدان المنفى وخاصة بريطانيا ثم استثمرتها أميركا في ما بعد. وهكذا مهدت هذه التجارب القاسية في حكم العراق لعملية الاكتساح السياسي المدبر ضد كل ما هو عروبي وتقديم نموذج الإسلام السياسي الشيعي والسني المعادي للعروبة إلى درجة تم تجاهل عروبة العراق في متن الدستور، وأصبحت الشكوك والتهم تدور حول من يرفع شعار العروبة في الحملات الانتخابية لتتقدم عليها مزايدات الولاء الطائفي والإثني، فلا بد لمن يريد فتح طريق للمشاركة السياسية الديمقراطية أن يقدم ولاءه لزعامات ورموز شيعية أو سنية أو كردية، وبذلك خسر عرب العراق أهم سلاح معنوي حين فتحت معركة الولاء للوطن بوجه دعاة الانفصال الكردي، ولم يرفع الحكام السياسيون بوجه قيادة البارزاني ما يثنيه عن هذا الهدف التقسيمي المريب. الأكراد الآن باحثون عن دولة قومية يعتقد القائمون عليها بأنها ستتمكن من العيش وسط محيط عالمي وإقليمي مضطرب، حيث سخطوا من لعبة الأمم التي وضعت الخرائط قبل قرن من الزمان ولم “تنصفهم”، ويعتقدون بأن عامل الجغرافيا الديموغرافية الكردية المشتركة وحده كافيا لتحقيق هذا الهدف رغم الاعتراض القوي لكل من العراق وسوريا وتركيا وإيران. ويبدو أن القيادة الكردية غير مستشعرة إلى حد اللحظة بأن العالم المعاصر وقوانينه السياسية لم يعودا يسمحان بنشوء الدول والكيانات القومية إلا إذا رغبت الدول الكبرى ومصالحها في ذلك. القيادة الكردية الحالية تستفيد من عوامل ضعف الدولة الوطنية العراقية وسيادة مظاهر الانقسام السياسي الحزبي الطائفي، وبفعل هذه الظروف الشاذة التي لم تبن نظام المواطنة المدنية والعدالة والمساواة قد يتحقق للبارزاني ما يريده في مشروع الانفصال عن العراق. لكن الأكراد سيصطدمون بجدران عالية تمنعهم من الوصول إلى حلم الوحدة القومية التي أصبحت خارج العصر والتاريخ. وسيحاصرون في كانتون مغلق تحاصرهم كماشتي إيران وتركيا، وهذه الخطوة الانفصالية تسير نحو المجهول، ودغدغة عواطف الجمهور الكردي بالحلم القومي ستكون مؤقتة تعجز عن الإيفاء بمتطلبات الحياة المدنية الآمنة لهذا الشعب الذي ضحى كثيرا، والذي وجد في عرب العراق كل محبة وود وتفاعل عبر السنين. من يريد الانفصال عن الوطن الأم وإعلان دولة قومية جديدة بلا رغبة حقيقية من شعب الوطن الكبير فعليه تحمل النتائج السياسية والاجتماعية، ولا بد من القبول بالتبعات وفي مقدمتها التخلي الإجباري عن كركوك بنت العراق، وأي تهاون من قبل الدولة العراقية المركزية الحالية في هذه القضية سيضعها أمام مساءلة شعب العراق، وسيضاف هذا التفريط في جزء مهم من البلد وهو كركوك إلى قائمة الاستحقاقات التي أصبحت ثقيلة على الأحزاب السياسية القائمة. مع ذلك فلا أجد سببا واحدا يدفع عرب العراق وسياسييهم إلى الوقوف بوجه هذه الخطوة الانفصالية، دعوهم ينفصلون ولكن من دون كركوك، وهذا التشبث بالمدينة العراقية لا يستطيع البارزاني الوقوف بوجهه، وهو يعلم أن الدستور قد أقر وفق المادة الـ140 بأن كركوك مدينة متنازع عليها. وإن كان يريد الاستفتاء في كركوك فكيف يمكن قبول ذلك بعد عمليات التكريد وتهجير العشائر العربية بالقوة بحجة ما سمي بتعريب كركوك في عهد نظام صدام، لتتم العودة إلى الإحصاءات السكانية الرسمية لعام 1957 التي بينت أن نسبة الأكراد 48 بالمئة والعرب 28 بالمئة والتركمان 21 بالمئة. أما عام 1977 فالإحصاء يقول للأكراد 38 بالمئة والعرب 45 بالمئة والتركمان 17 بالمئة. أما إحصاء عام 1997 فأعطى الأكراد 21 بالمئة والعرب 72 بالمئة والتركمان 7 بالمئة. هذه الإحصاءات الرسمية على مدى ثلاثين عاما قبل عام 2003 والمنطق السياسي الخالي من الأغراض يقولان بضرورة الركون إلى إحصاء عام 1977 الخالي من أغراض التعريب وعدم القبول بأي إحصاء جديد إن تحقق لأنه سيخضع لحالة التكريد التي فرضت بعد عام 2003. والسؤال هو لماذا لا يتم العمل من قبل سياسيي العراق على الكيان العراقي الجديد من غير الأكراد دون أن يدخلوا في نزاعات طويلة مع الأكراد، وأن يتم التخلي عن جميع مظاهر التحزب الطائفي السائدة حاليا سواء لدى السياسيين الشيعة أو السنة، ويكون الشعار الأول هو وحدة عرب العراق؟ إن جميع مقومات الدولة العراقية قائمة (أرض وشعب ولغة وحدود وعلم) وأنا من بين المؤيدين لمشروع الرد الحكومي “المسّرب” الداعي إلى مثل هذا الكيان للعراق الجديد من دون الأكراد. وهذا يتطلب قيادة سياسية عراقية قوية وجريئة وذات قرار وطني مستقل عبر تشكيل هيئة وطنية عليا مستقلة بلا وصاية أو هيمنة حزبية، تشارك فيها شخصيات عراقية مستقلة معروفة بنقائها من الفساد والطائفية ولا بأس أن تتم مراقبة الأمم المتحدة، تقوم بالخطوات التالية بفترة زمنية محددة قبل انتخابات عام 2018: – رسم الحدود القائمة حاليا للإقليم الكردستاني من دون المناطق التي استولى عليها الأكراد بعد اجتياح داعش، واعتبار تلك المناطق المسلوبة من آثار الاحتلال الداعشي وتعود للوطن الأم. – إعادة سن دستور عراقي جديد يحدد مقومات الدولة العراقية المستقلة ذات السيادة التامة بحدودها الحالية من دون الإقليم الكردستاني، ويعرف نظامها السياسي بأنه نظام ديمقراطي مدني ليبرالي لا طائفي، ويمكن أن يكون الحكم رئاسيا ينتخب من خلاله رئيس البلاد من قبل الشعب مباشرة. وتكون ثروات البلاد ملكا للشعب العراقي. – تكون الهوية الرئيسية للعراق بكونه عربيا وفقا للغة شعبه الرئيسية، ودينه الإسلام، يعترف فيه بالحقوق الإنسانية والمدنية لجميع الأقليات الدينية والعرقية كمواطنين عراقيين وفقا لمبدأ المساواة، وتكون للتركمان مكانة خاصة ومتميزة في حقوقهم القومية بلا نزعات انفصالية. والدعوة إلى استفتاء لذلك الدستور. وتعطى للأكراد المقيمين في محافظات العراق خيارات العيش فيه أو الانتقال إلى دولتهم الجديدة. – يعالج وضع كركوك باعتبارها مدينة للتعايش بين مكوناتها العربية والتركمانية والكردية وينشأ فيها حكم ذاتي مرتبط ببغداد. – يشرع قانون جديد للانتخابات العامة وقوانين للانتخابات والصحافة وحرية التعبير والرأي. – تلغى جميع القوانين والقرارات الاستثنائية التي سادت في البلاد في ظل الاحتلال الأميركي أو بعده. خاصة القوانين المكرسة للتمايز بين المواطنين والمحرضة على الكراهية، ويتم إلغاء جميع مظاهر التجييش والميليشيات، ويتم تعزيز القوات المسلحة الوطنية ودورها في حماية حدود الوطن. كاتب عراقي bahir/12
مشاركة :