تدق أجراس الإنذار في العديد من عواصم الاقتصادات الناشئة، مع تزايد احتمال قيام بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني) برفع أسعار الفائدة بنهاية العام الجاري في ظل مخاوف من أن يؤدي هذا القرار إلى موجة من النزوح الجماعي لرؤوس الأموال الأجنبية المودعة في البنوك البريطانية. وعلى الرغم من أن تدفق الاستثمارات على بريطانيا قد يمثل عنصرا إيجابيا للاقتصاد الوطني، فإن الأعضاء التسعة للجنة السياسات المالية ببنك إنجلترا لا يبدون حتى الآن اندفاعا تجاه قرار زيادة أسعار الفائدة. ويقول الدكتور روبرت بيلبي الاستشاري المالي في بنك إنجلترا لـ "الاقتصادية": إنه وللوهلة الأولى قد يبدو أن رفع سعر الفائدة المصرفي سيمثل عامل جذب لرؤوس الأموال الأجنبية، لكن علينا أن نتعرف أولا على قدرة الاقتصاد الوطني على التعامل مع تداعيات رفع سعر الفائدة. وأضاف، أن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي بمستويات غير متوقعة خلال الأشهر المقبلة، سيؤدي حتما إلى ارتفاع معدلات التضخم، ومستوى الأجور، وسيتطلب رفع سعر الفائدة، فإذا تدفقت الاستثمارات الأجنبية فإن معدلات التضخم ستتزايد بصورة قد تجعل بريطانيا سوقا طاردا لرؤوس الأموال، بل قد تؤدي لهروب رؤوس أموال بريطانية لبلدان أخرى. ويبدو أن دوائر الحكومة البريطانية في حالة انتباه تام لما قد ينجم عن رفع سعر الفائدة من مخاطر اقتصادية، فوزير الاستثمار فانس كابل حذر من أن رفع سعر الفائدة المصرفي بطريقة متسرعة قد يؤدي إلى هزة اقتصادية تعرض النمو الاقتصادي الراهن للخطر. وتشهد أروقة بنك إنجلترا جدلا حادا حول المدى الذي يمكن للاقتصاد البريطاني أن يواصل فيه النمو مع الحفاظ على معدل التضخم الراهن، فعلى الرغم من نمو الاقتصاد وتراجع البطالة، فإن معدلات الأجور والتضخم لا يزالان يتصفان بالركود، مما يعطي مؤشرا على أن القوى العاملة البريطانية لا تزال تعمل دون طاقتها الإنتاجية الكاملة. وتسود توقعات بأن يتم رفع الأجور في بريطانيا بنحو 4 في المائة في العام المقبل، على ألا يتجاوز معدل التضخم 2 في المائة، إلا أن بعض أعضاء لجنة السياسات المالية في البنك يعربون عن خشيتهم من أن يؤدي التأخر في رفع سعر الفائدة الآن، إلى اضطرار البنك إلى رفعها لمعدلات أعلى في المستقبل، وهو ما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار المالي. وأوضح الدكتور هنري روزيل أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة مانشستر لـ "الاقتصادية"، بأن تصريحات محافظ بنك إنجلترا أخيرا بأن رفع أسعار الفائدة سيتم أسرع من المتوقع، فتحت الباب على مصراعيه للعديد من التكهنات، حول التوقيت ودواعيه وردود الفعل، لكن من الواضح أن الجناح الحذر لا يزال يسيطر على لجنة السياسات المالية في البنك. وأضاف روزيل أنه من الواضح أن كارني يريد أن يقدم على تلك الخطوة بعد أن يكون الاقتصاد الوطني قد وضع قدميه على الطريق الصحيح، فهو يريد أن يستوعب الفقاعة العقارية الراهنة، وأن يشهد زيادة طفيفة في معدلات التضخم، ومعدلات نمو جيدة، إذ إن التوقعات تشير إلى نمو بنحو 2.9 في المائة بنهاية العام، وأعتقد أن الخلافات ستتزايد بين أعضاء لجنة السياسات المالية خلال الشهور القليلة المقبلة، حول أفضل السبل لردم الفجوة الراهنة بين الأجور والتضخم من جانب ومعدلات النمو والبطالة من جانب آخر. ويعتقد البعض أنه بغض النظر عن قدرة البنك المركزي على التعامل مع تلك الفجوة، فإن رفع أسعار الفائدة يعد سلوكا اقتصاديا طبيعيا، فالاقتصاد البريطاني آخذ في التعافي بمعدلات ملحوظة، وسيكون من غير الطبيعي في هذه الحالة الإبقاء على معدلات الفائدة الراهنة التي تبلغ 0.5 في المائة وهي الأدنى في تاريخ بريطانيا خلال ثلاثة قرون.
مشاركة :