بيضة الديك بقلم: شرف الدين ماجدولين

  • 7/5/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب الذي لا يصدر إلا رواية وحيدة، تقرأ على نطاق واسع، وتحوله إلى نجم أدبي، ليس روائيا في العمق، ولا تشغله الرواية إلا باعتبارها فنا جماهيريا.العرب شرف الدين ماجدولين [نُشر في 2017/07/05، العدد: 10682، ص(15)] من يريد قول كل شيء في رواية واحدة شبيه بتاجر الجملة المغامر، الذي قد يربح ثروة لمرة واحدة ثم يفلس بعد ذلك؛ لأن الرواية ليست في أي من تجلياتها، مطابقة لصفحة العمر المكتمل، والماضي إلى مستقره النهائي. كما أنها ليست إشراقة عبقرية، ولا وحيا. وإنما هي منطق لفظي، ينتقي ويركب، ويجمع شتات ما لا يجمع، في كون ممكن أو مشتهى، يقتضي صنعة في التغلغل والتقليب والكشف. أشياء يتعلمها الروائي تدريجيا، ويمكن أن يقولها مرات عديدة بصيغ متباينة، يؤولها النقاد، عادة، باعتبارها تفريعات لبؤرة ذهنية واحدة، واشتغالا مسترسلا على الأشكال والصيغ والجماليات التعبيرية، قد يصل في لحظة معينة إلى إنتاج عمل فريد، من مثل “ثلاثية” نجيب محفوظ، أو “لوليتا” لنابوكوف، أو “الأحمر والأسود” لستاندال، أو “روضة مانسفيلد” لجين أوستين، التي تمد خيوطا لا مرئية مع سابقاتها ولاحقاتها من النصوص الروائية في مسار حافل بالنصوص والتجارب. صحيح عزيزي القارئ أنك في لحظة ما قد تفضل رواية غير تلك التي تمثل الذروة بالنسبة إلى النقاد، بيد أنك في النهاية تقر بأن العمل الروائي جهد ممتد وفيه صعود ونزول وذبذبات لا تنتهي. من هنا فإن العمل الفريد في الرواية يتجلى بوصفه حالة إبداعية شاذة، ومجافية للمنطق الروائي؛ إذ لا وجود للروائي صاحب العمل الوحيد، إلا أن يكون نصا طويلا وممتدا عبر حلقات، من مثل العمل الشهير لمارسيل بروست “البحث عن الزمن الضائع”، أو أن يكون تنويعا على إبداع تعبيري في أجناس مختلفة قد تشمل المسرحية والقصة والشعر والرسم والفوتوغرافيا…، أو أن يكون سعيا إلى تركيب مسار حياتي في صيغة روائية مثلما بدأ يختار بعض المفكرين والفلاسفة والمؤرخين والساسة في الآونة الأخيرة، تخففا على ما يبدو من حمل ثقيل. بيد أن الشيء الأكيد، عزيزي القارئ، أن الكاتب الذي لا يصدر إلا رواية وحيدة، تقرأ على نطاق واسع، وتحوله إلى نجم أدبي، ليس روائيا في العمق، ولا تشغله الرواية إلا باعتبارها فنا جماهيريا، لهذا غالبا ما ينطفئ هؤلاء مباشرة بعد عملهم الفريد الذي أكسبهم شهرة فوق إمكانياتهم الروائية والفكرية، ذلك كان شأن دان بروان مع “شفرة دافنشي” وماريا دوينياس مع “سيدة الفساتين” وآخرين عديدين، ممن شكلت لهم الرواية قرارا مغريا مشفوعا بسنوات من البحث وتجميع الوثائق وحبك المغامرات المشوقة. فالرواية في كنهها عمل ناقص، أو توحي بعدم الاكتمال، وبالتطلع لما بعدها دوما، شأنها شأن المستقبل من الزمن، الذي يبدو هادرا دون حد، ولا يتحول إلى حاضر إلا مجازا. كاتب مغربيشرف الدين ماجدولين

مشاركة :