مرَّ ما يزيد عن العام على تلك الرسالة التي أرسل بها أخي الأستاذ محمد عبد الفتاح إلى مَن هم على رأس الأمر داخل جماعة الإخوان المسلمين وقتها، والتي نشرت على موقع العربي الجديد في مارس/آذار من العام الماضي تحت عنوان "رسالة إلى صاحب الفضيلة بالإخوان.. هذه قصتي"، والتي كانت بمثابة صرخة تعبر عن مدى الألم والحزن التي اكتست بهما نفسه على تلك الحالة التي وصلت إليها جماعتنا من ضعف وانقسام، كانت حقيقةً رسالة تتسم بالجرأة والصراحة المتناهية، وكانت معبّرة بشكل كبير عما تشعر به شريحة كبيرة من أبناء هذه الجماعة المباركة، ولكن يبدو أن هذه الرسالة لم تجد آذاناً تنصت لها ولم تجد تلك الصرخة قلوباً تفزع لها، ويكأن أصحاب الفضيلة وضعوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم ومضوا وكأن الأمر لم يكن، وظلت جموع الصف الإخواني تواجه كل يوم آلة القمع التي سلّطها عليها هذا الانقلاب المجرم وأجهزته الأمنية حتى لم تعد تفزع لخبر اعتقال أو حتى تصفية لأحد من أبناء الجماعة، وكأن الأمر أصبح مألوفاً لديها. وما زال صاحب الفضيلة يخرج علينا بين الفينة والأخرى ببياناته المعهودة التي لا تحمل في طياتها إلا الشجب والتنديد والدعوة إلى النزول للشارع، وفي أحيان أخرى تأتي بياناته حاملة لنا بين طياتها استجداءً واستعطافاً كمثال بيان "إلى أصحاب الفخامة والسمو" الذي أرسله إلى اجتماع القمة العربية. أخي محمد.. دعني أصارحك بأمر، فصاحب الفضيلة لم يكن من عادته يوماً الاستماع لأحد، ودعنا أيضاً نحسن الظن قليلاً، فمن المحتمل أنه لا يزال يحمل لنا في جعبته بعضاً من تلك البيانات التي اعتدناها منه، وهو يصر على إخراجها لنا، ولكن فلماذا لا يخرجها لنا جملةً واحدةً ويريحنا، فوالله لقد أتعبتنا بياناته. أخي محمد.. فلتعلم أن صاحب الفضيلة لم يعتَد منا الاعتراض أو حتى المناقشة، بل كان يتعامل معنا بسياسة القطيع، وهذا لا يعني أننا يوماً كنا خرافاً كما يدعي البعض، بل كنا أكثر إخلاصاً لهذه الدعوة، ولكن أصحاب الفضيلة جعلوا من إخلاصنا غمامة عصبوا بها أعيننا، ومن ثقتنا بهم كمامة أغلقوا بها أفواهنا، ومن طاعتنا لهم حجراً أطبقوا به على صدورنا، فأصبحت القيم التي تربينا عليها قيوداً تمنعنا من الرد والاعتراض، ولكن ما ألوم نفسي عليه أخي الكريم، وألومك أنت أيضاً عليه، حالة الاستسلام التي أصابتنا حينها أمام تلك القيود بادعاء حسن الظن ومصلحة الجماعة، فهذا الذي أودى بنا إلى ما نحن فيه الآن. أما أنت يا صاحب الفضيلة، فلن أقول لك كما قال أخي الأستاذ محمد عبد الفتاح: "اذهب فلن يكون الحال بعدك أسوأ مما هو عليه الآن"، بل أقول لك: ابقَ مكانك ولا تذهب، فلم يبقَ لنا شيء نخشى عليه منك، فدماؤنا سُفكت، وأعراضنا انتهكت، وشبابنا شرد في أرجاء الأرض، وبلادنا استقرت في القاع، فمن الآن اجتهد كما يحلو لك، ولتخطئ كما تشاء، فلن نلومك أبداً، فلم يعد لدينا ما نخشى خسارته. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :