واصلت القوات العراقية أمس، تقدمها بحذر في اتجاه آخر جيوب «داعش» في الموصل القديمة لمحاصرة قادة التنظيم، وتواجه مقاومة شرسة، وصعوبات تعرقل حسم المعركة. وتباطأت وتيرة تقدم القوات نسبياً، بفعل مقاومة شديدة يبديها مسلحو «داعش» الذين يقدر عددهم بحوالى 200 عنصر غالبيتهم انغماسيون أجانب، معتمدين تكثيف الهجمات الانتحارية بالعربات المفخخة، والتخفي والانتقال السريع بين المنازل والأزقة الضيقة في محيط ضيق مكتظ بأكثر من عشرة آلاف مدني، ما يؤجل خطط الجيش لإعلان «النصر» بحلول اليوم، على ما قال خبراء عسكريون. وتقدمت الشرطة الاتحادية من المحور الجنوبي بحذر في منطقة النجيفي بعد سيطرتها على ساحة وكراج باب الطوب وجامع خزام على طريق خالد بن الوليد، بينما سيطرت قوات الرد السريع على خانات باب الطوب والمجلس البلدي، وأطبق الجيش قبضته على منطقتي الخاتونية والطوالب من الجهة الشمالية، إلا أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب ما زالت تراوح منذ يومين عند محلة الميدان بعد أن كانت اجتازت محلتي رأس الكور والنبي جرجس. وجدد الفريق الركن عبدالغني الأسدي، قائد جهاز مكافحة الإرهاب، تأكيده أن «المعركة ستحسم في غضون أيام»، وأعلن «اتباع تكتيك مختلف في المدينة القديمة لما تشكل من مانع لدخول الآليات الثقيلة نتيجة ضيق الأزقة والمباني، وكذلك الموانع المركبة التي صنعها داعش». وقدر الفريق الركن عبدالوهاب الساعدي، قائد «فرقة العمليات الثانية» في مكافحة الإرهاب، أن «المساحة المتبقية تحت سيطرة التنظيم أقل من 150 متراً مربعاً يحاصر فيها حوالى 100 إرهابي انتحاري، 90 في المئة منهم أجانب انغماسيون»، ولفت إلى أن «التنظيم يدس يومياً عشرات الانتحاريات بين الأسر التي يتم إنقاذها»، وأشار إلى أن «النصر سيتحقق قريباً، لكن موعده تحدده الحكومة الاتحادية». إلى ذلك، أفاد الفريق رائد جودت، قائد الشرطة الاتحادية أمس، بأنه «تم نشر وحدات خاصة على سطح مبنى الشواف، لتأمين تقدم القطاعات وسط منطقة النجيفي، وهي آخر معقل للإرهابيين في هذا المحور»، وأضاف أن «هجومنا ينطلق من ثلاثة محاور، غرباُ باتجاه منطقة النجيفي وجامع الشيخ أبو العلا، وجنوباُ عند شارع خالد بن الوليد، ومن جهة النهر صوب شارع النجيفي». وأوضح أن «قواتنا بمساندة الطيران والإسناد المدفعي تواصل تقدمها وفق الخطط المرسومة للقضاء على عناصر داعش المختبئة في الأنفاق»، مؤكداً «قتل 57 إرهابياً وأربعة من القناصة وتفجير سيارة مفخخة مسيطر عليها وضبط كميات كبيرة من الأسلحة والعبوات الناسفة والألغام وقواعد إطلاق الصواريخ». وقال مصدر أمني إن «القوات تحاول فتح محور جديد بمحاذاة ضفة النهر شمالي البلدة القديمة بغية تضييق الخناق على ما تبقى من عناصر التنظيم»، مشيراً إلى «إحباط محاولات عناصر التنظيم التسلل أو الهروب نحو الجانب الأيسر المحرر من الموصل خلال الأسبوع الجاري، وتم تعزيز الإجراءات قرب النهر». وجاء ذلك بالتزامن مع ورود أنباء عن «وقوع قتلى في صفوف الحشد العشائري الذي يخوض اشتباكات مع عناصر التنظيم في قرية الإمام، غرب القيارة، 60 كيلومتراً جنوب الموصل». من جهة أخرى، أفادت منظمة أطباء بلا حدود أن المستويات الهائلة من العنف والنزاع في الموصل المحاصرة، كالغارات الجوية والقصف والهجمات الانتحارية والطلقات النارية، تترك أثراً مدمراً على السكان، فبعد مرور أقل من أسبوعين على افتتاح مستشفى المنظمة غرب الموصل، وهو واحد من مستشفيين عاملين في هذا الجزء من المدينة، عالجت المنظمة حوالى 100 مصاب، بينهم أكثر من 25 طفلاً و20 امرأة. لكن تخشى المنظمة أن تكون شريحة صغيرة من السكان قادرة على الحصول على الرعاية الطبية في الوقت المناسب، وأن يموت الكثيرون في ساحات المعارك. وفي هذا السياق، قالت منسّقة الطوارئ في المنظمة غرب الموصل ستيفاني ريميون: «كل يوم، تعالج طواقمنا المرضى المصابين من المدينة القديمة، والعديد منهم هم من النساء والأطفال. إن قصص المعاناة التي يرويها لنا مرضانا من المستحيل أن تصفها الكلمات. إذ نعاين مرضى يعانون من إصابات ناجمة عن الحرب تراوح بين جروح بالشظايا والطلقات النارية والانفجارات والحروق وكسور العظام بسبب المباني المنهارة. وعلى رغم الجهود الهائلة التي يبذلها الطاقم في النقاط المسؤولة عن استقرار حالات المصابين في الجبهة وسائقي سيارات الإسعاف، نعتبر أعداد المرضى الذين نستقبلهم قليلة نسبياً مقارنة مع عدد السكان الذي يقدّر بالآلاف ما زالوا في منطقة النزاع. ويكمن خوفنا الأكبر من أن يكون أصحاب الحالات الطارئة غير قادرين على الحصول على الرعاية الطبية».
مشاركة :