تحقيق: زكية كردي كثير من مقاطع الفيديو المرعبة تعنون بعبارة جانبية تفيد بعدم مشاهدتها من قبل «أصحاب القلوب الضعيفة»، أولئك الذين قد يتعرضون للإغماء، أو عدم القدرة على النوم، أو الارتجاف والبكاء خوفاً، وتتراوح شدة هذه الأعراض وردود الأفعال بين شخص وآخر، كما تختلف المعطيات التي يضعف أمامها قلب كل شخص؛ لكنهم جميعاً يجتمعون في رهافة الحس وسعة الخيال؛ حيث يُسقطون الألم الذي يقع للآخرين على أنفسهم، ويشعرون به بالفعل، كما سنقرأ في التحقيق التالي.عندما تواجه سمر سعيد، موظفة حكومية، بموقف صادم يفاجئها تفقد السيطرة، فتصاب بالتوتر، ويتملكها الخوف، وتقول: «أحياناً أشعر بأنها حالة مرضية، حتى أني استشرت طبيباً، لأن الجميع يلومني وينصحني بالتخلص منها، فأنا أم وعليَّ أن أكون قوية لأجل أبنائي، لكني لم أكن هكذا عندما كنت أصغر، فأذكر أنني كنت أقدم على ركوب الألعاب الخطرة دون تفكير، أما اليوم لا أمتلك الجرأة لتجربتها من جديد»، وتفسر سمر ما يحصل معها بأنه بسبب حساسيتها الزائدة وشعورها بالالتصاق بعائلتها، وردة فعلها مع أي مشكلة تحدث في المنزل تكون لا إرادية وقوية، وتصل كثيراً إلى درجة طلب الإسعاف والذهاب للمستشفى لمعالجتها، وتشرح بأن وقوع المشاكل وخصوصاً في المنزل يجعلها تشعر بفقدان أمانها ويصيبها ذلك بالخوف، ورغم أنها لا تعاني الوساوس غير الطبيعية إلا أن هذه الحالة تسيطر عليها في الصدمات، والمشاكل غير المتوقعة التي تكون عادية وطبيعية غالباً.مخاطر الحياةعن إمكانية تقمص هذه الحالة من الأهل تؤكد سحر الغزي، ربة منزل، أنها تتمتع بقوة القلب منذ كانت صغيرة، إلا أن ابنتيها ليستا كذلك، وهذا ما يقلقها ووالدهما عليهما، وتقول: «كنت أعتقد أن السبب في قوة أو ضعف القلب يعتمد على الأهل بالدرجة الأولى، فقد تأثرت بقوة شخصية والدتي، وطبعاً الناس في السابق كانوا أشداء بطبيعة الحال، وليسوا كجيل اليوم، وتذكر أن ابنتها بقيت تعجز عن الوقوف على قدميها لأسبوع كامل نتيجة رؤيتها لحادث سير مؤلم وقع أمام منزلهم، وتضيف بأنه من الصعب تحديد سبب ضعف أو قوة القلب، فلا يمكن أن يكون الأمر وراثياً لأنه لا يوجد في عائلتها أو عائلة زوجها من يعاني ما ورثته ابنتاها؛ لكن قد يكون السبب مقدار الحماية التي تحيط بالطفل وهو صغير، فالجو العام وطريقة الحياة تؤثر، فالأم هنا تخاف على أبنائها من الخدم، ومن أشياء كثيرة لم تكن تعرفها أمهات الأمس».ولكن وجود حالات متناقضة تماماً في بعض العائلات تجعلنا نعتقد أن دور التربية في خلق هذه الحالة لدى الشخص ليس جوهرياً بالضرورة، ففي حين يمتلك يحيى عبد الحميد، صاحب محل قطع غيار سيارات، قلباً جسوراً لا يعرف الخوف أبداً، يعاني أخوه ضعف القلب، ويقول: «منذ طفولتنا كنت أشعر بأني مسؤول عن الدفاع عنه وحمايته على الرغم من كونه أكبر مني سناً، واستمر هذا الوضع حتى في كبرنا، فهو العقل المدبر وأنا القلب الجسور، وعن سبب كونه لا يخشى شيئاً يعتقد بأن كل إنسان يخلق بملامح وشخصية مختلفة، فقد كانت تخبره والدته بأنه كان يقدم على المخاطر منذ طفولته، ولا يعرف الخوف كما هي الحال مع أخيه الذي كان يحسب خطواته منذ الأشهر الأولى وينتبه إلى نفسه جيداً كي لا يقع».صدمات نفسيةلضعف القلب مظاهر وأشكال مختلفة، فبعضهم يخاف من مشاهدة المقاطع المرعبة والعنيفة على الشاشة، وبعضهم الآخر من رؤية الدم، أو الأماكن المظلمة، وهناك أيضاً من يبدع خياله في تقمص حالة الألم عندما يسمع عنها، كما هي حال زينة سالم، ربة منزل، فهي تشعر بالإغماء عندما ترى أحداً يتألم بسبب كسر أو جرح عميق، أو بسبب عمل جراحي؛ لأنها تتخيل الألم الذي يشعر به مضاعفاً، وتقول: «أتحمل الألم عندما يصيبني أكثر مما أحتمل أن أراه يصيب الآخرين، فعندما أعاني المرض أعرف كيف أتحكم بألمه وأسيطر عليه، وحقيقة لست أخشاه، لكن أعجز عن رؤية الآخرين يتألمون، مع أني قوية القلب في كثير من المواقف».ولضعف القلب - كما أشيعت التسمية - أسباب وعوامل عدة تتحكم بهذه الحالة، حسب د. نادر ياغي، استشاري نفسي، وأول هذه العوامل العمر؛ حيث يتمتع معظم الناس بقلب قوي في مرحلة المراهقة والشباب، فيسيطر على المواقف، ويتخطى الصدمات العاطفية، لكن يختلف الأمر مع التقدم بالسن وزيادة المسؤوليات، فالشخص المتزوج ولديه أبناء لا يحتمل مشاهد العنف مع الأطفال؛ لأنه يسقط هذه المشاهد على أبنائه فلا يحتملها، وأيضاً يضعف قلب الإنسان عندما يكبر بالسن؛ حيث يعجز عن القيام بالأشياء التي كان يقوم بها سابقاً، أما العامل الثاني فيتمثل بالمرور بحوادث أو مواقف تشكل ردة فعل تجاه موقف ما نتيجة خبراته السابقة، ويوضح بأن الحالة النفسية التي يمر بها الشخص أثناء تعرضه للموقف المثير للصدمة تتحكم أيضاً بردة فعله، فإن كان سعيداً سيكون تأثره أقل، لكن إن كان حزيناً فسوف يتضاعف الأثر، وعن حقيقة كون قلب المرأة أضعف من قلب الرجل يقول: «قلب المرأة أضعف لحساسيتها ورهافة حسها، هذا على الصعيد النفسي، أما فيسيولوجياً فالسبب يعود إلى تحكم الهرمونات بجسد المرأة، وهي غير موجودة لدى الرجل، فتزداد شدة تأثرها في أوقات معينة تبعاً لتغير هرموناتها».تفسير علميوينفي د. محمد العاسمي، مختص أمراض القلب والقسطرة القلبية، وجود أي علاقة لتسمية «ضعاف القلوب» بضعف القلب في الواقع، فكثيراً ما يكون صاحب القلب الضعيف، الذي تعرض إلى جلطة، أو يملك ضعفاً في الضربات، يكون أقوى عملياً في مواقفه الحياتية؛ لكن «ضعف القلب» المقصود هنا يعد حالة سلوكية مرتبطة بعمل الدماغ؛ حيث إن المغامرين هم أناس يملكون تقييماً أضعف لمستوى الخطورة، على عكس الأشخاص الحذرين الذين لا يقدمون على فعل ما دون التأكد من نسبة الأمان فيه.ويقول: «ضعف القلب كما هو متعارف عليه اجتماعياً له علاقة بعمل الدماغ، فهناك مراكز دماغية خاصة تولد لدينا شعوراً معيناً أو حالة معينة من الخوف نطلق عليها هذا الوصف، ونربطها بالعاطفة»، ويفسر الأمر بأن الإنسان عندما يشعر بالخوف يزداد إفراز الأدرينالين الذي يزيد من دقات القلب، لهذا يقولون إن قلبه يعد ضعيفاً، ويشير إلى أن حوالي 10% من الناس يكون الإفراز لديهم أكثر من غيرهم، أما عن التفسير العلمي لوقوع «ضعاف القلوب» بحالات الإغماء عند تعرضهم لموقف صادم، فيوضح بأن الدماغ في مثل هذه الحالة يقدر حجم الخطر فيعطي أوامره لزيادة عدد ضربات القلب، فتتقلص الأوعية الدموية، لكي لا يخسر الكثير من الدماء إذا تعرض للجرح، وأيضاً يستجيب للمواقف الخارجة عن السيطرة بالإغماء ليجنب الإنسان الألم، فنرى من نجا من حادث سيارة يخبر بأن آخر ما رآه هي السيارة ليفتح عينيه ويجد نفسه في المستشفى.
مشاركة :