قلة من المصانع نجت من الأضرار الهائلة التي خلفتها الحرب التي قسمت المدينة بين طرفي النزاع منذ عام 2012، بعدما كان إنتاجها يعد فخر الاقتصاد السوري وذائع الصيت في العالم العربي. داخل مصنعه في منطقة الكلاسة في مدينة حلب السورية، يراقب كرم بابتسامة حزينة آلة نجت من الحرب وهي تصهر حبيبات البلاستيك قبل أن تخرجها على شكل سلال وصناديق. ويقول كرم (40 عاما) الذي أعاد فتح مصنعه بعد أشهر من سيطرة الجيش على حلب في ديسمبر “كانت لدي 30 آلة ولم تعد لدي سوى 5 اليوم” بعدما باع البقية حتى لا يغلق مصنعه.70 بالمئة من المشاغل يمكنها العودة الى العمل خلال سنة بحسب رئيس لجنة منطقة الكلاسة وأوضح أنه كان لديه “مستودع على أحد خطوط الاشتباك واحترق بالكامل مع البضاعة التي تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليون دولار… كان لدي سبعون موظفا واليوم لدي خمسة فقط، بعدما غادر الشباب”. لكنه قال وهو يجلس في مكتبه في الطابق الثاني من المبنى الذي نجا بأعجوبة من المعارك “الحمد لله، خسائري يمكن احتمالها. غيري خسروا كل شيء، ماكيناتهم ومستودعاتهم وملايين الدولارات”. ويعد حي الكلاسة من بين 17 منطقة صناعية تتوزع في مدينة حلب وعلى أطرافها، وكانت معظمها تحت سيطرة الفصائل المقاتلة التي سيطرت على شرق المدينة منذ عام 2012. ورغم مرور 6 أشهر على انتهاء المعارك، لا تزال الاحياء الشرقية مدمرة وتتجمع أكوام من الركام في أحيائها التي تصدعت مبانيها أو انهارت تماما وتمتلئ شوارعها بالحفر. وتقدر غرفة الصناعة في حلب قيمة الأضرار التي لحقت بالمناطق الصناعية في حلب بأكثر من 55 مليار دولار. ومن بين 1326 مؤسسة صغيرة ومتوسطة الحجم في الكلاسة، عاودت نحو مئتين فقط فتح أبوابها وفق تقديرات رسمية، ولكن بإمكانيات أقل بكثير. وقال كرم إن العمل في المصنع لم يتوقف طوال الوقت قبل اندلاع النزاع “كنا نعمل على مدار 24 ساعة لكننا نكتفي اليوم بالعمل لمدة 11 ساعة فقط نظرا لارتفاع كلفة المازوت” حيث يدفع مبلغ 60 دولارا يوميا مقابل كل مئتي لتر. وينتج المصنع حاليا 6 آلاف قطعة شهريا، بعدما كان الإنتاج يتخطى 60 ألف قطعة سابقا. ويقول كرم “كنا نبيع 70 في المئة من بضاعتنا إلى العراق والأردن والكويت، لكن التصدير صفر اليوم”. وعلى خطى كرم، عاود مجد النعساني افتتاح مصنع النسيج الذي يملكه في منطقة الكلاسة أيضا. وتغزل ماكينات النسيج الدائري في المعمل الخيوط من دون توقف. وشكل إنتاج النسيج العريق في حلب 60 في المئة من الإنتاج الصناعي في المدينة التي كانت تتميز بموقعها على طريق الحرير القديم.60 بالمئة من الانتاج الصناعي في منطقة الكلاسة الصناعية شرق حلب كانت في صناعة النسيج ويقول مجد بلهجة حاسمة لوكالة الصحافة الفرنسية “نحن أهل هذه المصلحة”. ويوضح مجد الذي اضطر للتكيف مع ظروف الإنتاج الجديدة “كنا نبيع 6 أطنان من النسيج أسبوعيا إلى مصانع الثياب. اليوم بالكاد نبيع 800 كيلوغرام”. ويضيف “كان عندي مشغل ثان في خان العسل (غرب حلب تحت سيطرة الفصائل) ولا أعرف ماذا جرى فيه” حتى الآن. ويؤكد رئيس لجنة منطقة الكلاسة الصناعية نديم الاطرش أن حلب كانت “أم النسيج في سوريا والشرق الأوسط”. ويرى أنه “في حال ساعدت المنظمات الدولية والدولة في تأهيل البنى التحتية، فإن 70 في المئة من المشاغل في الكلاسة يمكنها العودة إلى العمل خلال سنة”. وإذا كانت المدينة الصناعية في منطقة الشيخ نجار في شمال حلب تستعيد نشاطها تدريجيا، فإن الواقع مغاير تماما في المنطقة الصناعية في الليرمون على الأطراف الشمالية الغربية للمدينة. وتبدو المنطقة التي شكلت مسرحا لمعارك عنيفة بين الجيش ومقاتلي الفصائل أشبه بمقبرة للمصانع يخيم عليها الصمت والدمار. ويوضح نائب رئيس غرفة الصناعة في حلب باسل المصري “في الليرمون 85 في المئة من المشاغل دمرت بالكامل، أي أكثر من ألف مشغل… ولم يبدأ بالترميم سوى مجموعة صغيرة… كلفة الآلات هنا تقدر بالعشرات من آلاف الدولارات”. وداخل مصنع “ريشي وكواية” للنسيج، يخيم الدمار على القاعة الرئيسية بعدما تساقط السقف جراء القصف فوق الماكينات المحطمة المكسوة بالغبار والركام. ويتهم القيمون على المصنع مسلحي الفصائل “بسرقة المولدات والألواح الإلكترونية” الخاصة بالآلات وبيعها. ويقول وحيد المسؤول التقني في المصنع “هذه لم تعد آلات، إنها خردة… عندما جئت إلى هنا أول مرة تفاجأت ولم أتعرف على الماكينات التي عملت عليها منذ عشرين عاما”.
مشاركة :