الفقر والفروقات الطبقية الصارخة إلى تعزيز العرض والطلب في هذه السوق الممنوعة. في الآونة الأخيرة، نفّذت القوى الأمنية مداهمة لمستشفى سرّي في لاهور، وضبطت طبيبين وهما يجريان عمليتي زرع كليتين مخالفتين للقانون. وكان الشخصان اللذان باع كل منهما إحدى كليتيه، والمريضان المحتاجان إليهما، ما زالوا ممددين في غرفة العمليات. ترك عناصر الشرطة الطبيبين ينجزان العمليتين، ثم أوقفوهما مع المساعدين والمريضين الآتيين من سلطنة عمان، في عملية أمنية تريد السلطات أن تظهر من خلالها تشددها في قمع هذه الممارسات غير القانونية. ولا يوجد في باكستان نظام يتيح للأشخاص الموافقة على أن تستخدم أعضاؤهم بعد وفاتهم في عمليات زرع لمرضى يحتاجونها، وتنظر الأوساط الدينية والمجتمع بشكل عام نظرة سلبية للتبرع بالأعضاء. في هذه الظروف، يتعيّن على المرضى أن يبحثوا بأنفسهم عن متبرّع، وهو ما يبيحه القانون ما دام اختياريا وغير مدفوع. إلا أن الطلب كبير على الأعضاء، تقابله قلّة في المتبرعين المتطوّعين، الأمر الذي يعزز عمل عصابات الاتجار بالأعضاء التي تستغل الفقر المدقع لملايين الباكستانيين. ويمكن العثور على كلية بسعر مقبول، الأمر الذي يجذب المرضى المحتاجين لها من دول أجنبية، وخصوصا من دول الخليج وافريقيا وبريطانيا. - كلية مقابل 23 ألف دولار - في مستشفى خاص في إسلام آباد، لم يستغرق الأمر لمراسل وكالة فرانس برس أكثر من بضع دقائق حتى عثر على "وسيط" يعرض عليه كلية وموافقة حكومية على عملية الزرع مقابل 23 ألف دولار. تتحدث السلطات المكلفة مراقبة عمليات الزرع عن صعوبة وقف هذه التجارة، لأن مقدّم العضو يؤكد أنه يفعل ذلك بملء إرادته ومن دون مقابل، فلا يمكن فعل أي شيء في هذه الحالة، وفقا للطبيب سليمان أحمد المسؤول في هذه السلطات. لكن المداهمة التي نفذتها الشرطة لمنزل في لاهور أظهرت أن السلطات عازمة على التصدي لهذه الظاهرة، وفقا للمدير المساعد للوكالة الاتحادية للتحقيقات جميل أحمد خان مايو. أسفرت مداهمة لاهور عن توقيف 16 شخصا يواجهون عقوبة السجن حتى عشرة أعوام، فيما التحقيقات مستمرة. ويقول أحمد "أردنا من هذه المداهمة أن نبعث رسالة قوية إلى الخارج مفادها أن باكستان لم تعد مكانا آمنا لعمليات الزرع المخالفة للقانون". - قانون السوق - إلا أن الخبراء يرون أن السلطات لم تنقضّ على أسباب المشكلة. فهذه "التجارة غير المشروعة يستفيد منها الأغنياء والنخبة في باكستان"، وفقا لممتاز أحمد المسؤول في مستشفى بينظير بوتو الحكومي في روالبيندي قرب إسلام آباد. ويرى ممتاز أحمد، وهو عضو في لجنة تحقيق حكومية حول زرع الكلى، أن هذا ما يجعل السلطات مترددة في تطبيق القانون. وتعد أمراض الكلى شائعة جدا في باكستان، بحسب مؤسسات متخصصة. ويقول ممتاز أحمد "يأتي إلينا مرضى مع أقارب لهم مستعدين للتبرع بكلية، ثم يغيّرون رأيهم ويذهبون إلى مستشفى خاص حين يعلمون أنه بالإمكان شراء كلية هناك". ولا يتطلب الأمر عناء كثيرا، فالفقراء المعدمون مستعدون لأي شيء يخرجهم من بؤسهم. وكثير من العمال في المصانع والحقول يجدون أنفسهم أشبه بالعبيد، إذ تتكدس الديون على عاتقهم لحساب مشغليهم لتسديد نفقات تربية أطفالهم أو النفقات الصحية، إزاء ذلك يضطرون لبيع أعضائهم على أمل الخروج من هذه الدوامة. - نقابة المتبرعين - وهذا ما جرى مع بشرى بيبي التي تعاني بشكل مستمر منذ أن باعت كليتها قبل 12 عاما. وتروي والدموع في عينيها أن والدها كان بحاجة للمال لتلقي العلاج فباعت كيلتها مقابل 110 آلاف روبي (ألف دولار تقريبا). وحين مرض والد زوجها، اضطر زوجها هو الآخر لبيع كليته. واليوم، عادت الديون تتكدّس عليهما، وهما يجهدان لتربية أطفالهما الخمسة في ظل عدم قدرتهما على العمل بنشاط. وتقول "الناس يسخرون مني لأني غير قادرة على إتمام أعمال التنظيف". تقيم بشرى وعائلتها في منطقة سارغودا الخصبة في إقليم البنجاب، حيث يوجد الكثيرون من ضحايا بيع الأعضاء، حتى أن أحد السكان ويدعى مالك ظافر إقبال قرر إنشاء نقابة للدفاع عنهم، وهو يجول بلائحة تضم مئات الأسماء على المسؤولين للمطالبة بحقوقهم.