برتراند راسل.. الفلسفة في مواجهة الحرب وجنونها

  • 7/8/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» كان الفيلسوف برتراند راسل واحداً من أبرز دعاة السلام في العالم، حيث خيّبت الفترة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الأولى آماله في صحة عقول البشر؛ إذ وجدَ عباقرة الجنس البشري يتسابقون في ابتكار أفضل الوسائل الكفيلة بتدمير هذا الجنس وإبادته، وبالتالي أخذ الفيلسوف يدين مبدأ الحرب، وكان يعدها أشبه بالمأساة الإغريقية، وقد ألقى عدداً من الخطابات الهامة يهاجم فيها الحرب، ويطالب بريطانيا بأن تكون على الحياد. انضم راسل إلى جمعية رافضي التجنيد، وأعد بيانات يستنكر فيها الحكم بالأشغال الشاقة على أحد أعضائها، لرفضه طلب الاستدعاء للجندية، وقدم راسل للمحاكمة لإعداده هذا البيان، فأدانته المحكمة وقضت بتغريمه 100 جنيه، وفي الوقت نفسه قامت كلية ترينتي بفصله من عمله، ما أدى به إلى الوقوع في ضائقة مالية عنيفة.وفي تلك الفترة توثّقت صلته بعدد من الأدباء من دعاة السلام، أبرزهم د. ه. لورانس، وألدوس هلسلي، كما تعرف إلى ناشر كبير تحمس لنشر كتاباته، خصوصاً في ألمانيا التي كانت تلقى فيها كتاباته رواجاً كبيراً، وهكذا غدا يكسب عيشه من كتاباته، لكن هذه الكتابات أدت إلى سجنه ستة أشهر في مايو سنة 1918، ولم تذهب مدة السجن هدراً، فقد استغلها راسل في القراءة والكتابة، حتى إنه كتب أثناء وجوده في السجن «المدخل إلى الفلسفة الرياضية».وبعد إطلاق سراحه واصل الاعتماد على كتاباته كمصدر للرزق، حيث عُني في تلك الفترة كما يقول نصار عبدالله في ترجمته لكتاب «عظماء وأحلام مزعجة» - بدراسة العقل والمادة وتقريب الصلة بينهما، كما يبدو في كتابه «تحليل العقل»، و«معرفتنا بالعالم الخارجي»، غير أنه لم يفقد اهتمامه بالسياسة فقد كانت تشغله آنذاك ثورة روسيا عام 1917، وقد أتيحت له فرصة التعرف إلى الموقف في روسيا عن قرب، لكنه أصيب بخيبة أمل حين زارها ضمن وفد كبير، ثم قرر بعد صدامه بالبلاشفة أن يزور الصين، بعد أن تلقّى دعوة لإلقاء سلسلة محاضرات في جامعة بكين، وكان معجباً بحضارتها العريقة، ويرى أنها لكي تنقذ نفسها من الانهيار فإن عليها أن تلجأ إلى التدابير العسكرية والاشتراكية، لكي تواجه الأخطار الخارجية والداخلية، كما أن عليها أن تضاعف الإنتاج وأن تصلح الأحوال الإدارية ووسائل المواصلات.قابلت الصين هذا الإعجاب باهتمام بالغ، وأصدرت جامعة بكين صحيفة خاصة تحمل اسمه، هي صحيفة «برتراند راسل جورنال»، للعمل على نشر أفكاره. غير أن المناخ الذي كان يحيطه جعله يفرط في صحته، ما أدى إلى إصابته بالتهاب رئوي حاد، ونقل بين الحياة والموت إلى المستشفى الألماني في بكين، وانتهزت الصحف اليابانية الفرصة ونشرت خبر وفاة راسل، وهكذا قدر للفيلسوف الكبير أن يقرأ نعيه، ويتابع الأخبار التي نشرت حول اقتراحات البعض لتخليد ذكراه.وعندما عاد إلى بلاده قرر راسل أن يخوض المعركة الانتخابية عام 1922، تحت لافتة الأفكار العالمية، لكنه مني بالهزيمة، وفي عام 1927 خاض تجربة جديدة بإنشاء مدرسة يطبق فيها عملياً أفكاره النظرية في التربية والتعليم، وبعد ذلك بعامين أصدر كتابه «الزواج والأخلاق»، ثم تزوج للمرة الثالثة، وبدأ ينشر كتباً ذات طابع عام، منها كتاب «قهر السعادة»، ثم «الدين والعلم» سنة 1935، ثم تناول الموضوعات الاقتصادية في كتابه «امتداح الكسل»، وفي كتابه «الحرية والنظام»، عارض النظرية الماركسية القائلة إن القوى الاقتصادية هي المحرك الوحيد للتطور، وحاول أن يبين إلى أي حد يمكن أن تتم المصالحة بين حرية الفرد، وبين القوة الاقتصادية للدولة، وهذه الفكرة تناولها في كتابيه «القوة» و«السلطة والفرد».وفي شتاء 1939 سافر إلى أمريكا للتدريس بجامعة نيويورك، لكن خصومه تكتلوا ضده، وطالبوا القضاء بمنعه من التدريس لأسباب أخلاقية، وقد استجاب القضاء لتلك المزاعم، على الرغم من مناصرة كل من أينشتاين، وهوايتهيد، وديوي له، وإزاء هذا الموقف عرض عليه أحد المليونيرات الأمريكيين أن يلقي سلسلة محاضرات لحساب إحدى المؤسسات، وقد جمع هذه المحاضرات في كتاب «تاريخ الفلسفة الغربية»، الذي صدر سنة 1949، ثم سافر إلى النرويج لكي يحاضر في موضوع بعض الاقتراحات البناءة لتجنّب حرب عالمية ثالثة، لكن السفينة التي كان يستقلها تعرضت للغرق، ولم يمنع هذا الحادث راسل من إلقاء محاضرته.وفي عام 1949 أنعمت ملكة بريطانيا على راسل بواحد من أعلى ألقاب التكريم (سير)، وكما يقول نصار عبدالله: «يا لها من مفارقة أن تكرّم بريطانيا رجلاً أودعته السجن يوماً بتهمة توجيه الإهانة لها، وفي العام التالي يمنح جائزة نوبل في الآداب».في آخر أيام عمره عكف راسل على كتابة القصص والروايات ومنها «المغامرات الكورسيكية للآنسة إكس»، و«الشيطان في الضواحي»، و«عظماء وأحلام مزعجة»، وقام طوال سنوات الخمسينات والستينات بقيادة حملة ضد التجارب النووية، ما عرضه للسجن مرة أخرى في عام 1962 لمدة سبعة أيام، على الرغم من أنه كان عضواً في لجنة المئة بالبرلمان، وكان أبرز ما قام به في تلك الفترة تأليف كتاب: «جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام».ولد راسل في مايو سنة 1872، لأسرة إنجليزية عريقة، وفي سن مبكرة أخذ يقرأ كثيراً، وعندما أبدى رغبته في الالتحاق بكامبردج استدعت جدته معلماً لكي يقوم بتعليمه اللاتينية والإغريقية، حتى يتم تأهيله لاجتياز الاختبارات التمهيدية، وبدأ يهتم بالاشتراكية بوجه خاص فأخذ يدرسها، وعلى الرغم من تأثّره بالبيان الشيوعي، إلا أن هذا لم يمنعه من تحليل ونقد الماركسية من خلال وجهة نظر ليبرالية بريطانية.

مشاركة :