تراث ابن تيمية

  • 7/8/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

معظم السجال الدائر في وقتنا الراهن حول فكر الفقيه ابن تيمية, هو سجال ينتزعه من عصره, ويدخله في حيز المطلق الأزلي, ينزع عنه خصائصه البشرية المطوقة بقصور المخلوقات, ليحمل سمات العلوي المتسامي عن محيطه. والفقيه ابن تيمية 661_728 هجرية, عاش في منطقة الشام ومصر, حيث كان لظروف المرحلة انعكاس كبير على نتاجه, رغم أنه ظل ملتزما التزاما مخلصا بالمدرسة السلفية الحنبلية في (أن الواجب في المسائل الدينية أن يخضع العقل للنص, ويكون تابعا له بخلاف ما يدعيه أرباب النظر العقلي) ومن هنا جاء موقفه حادا ضد مسألة التشبيه و(الأسماء والصفات) والتأويل العقلي للنص, وسواها من المواقف المناهضة ضد ما أسماها بالبدع والخرافات التي انتشرت في عصره, بل عارض وقتها جميع مذاهب عصره من أحناف وأشاعرة ومتصوفة, وفند الكثير من أطروحات فقهاء كبار مثل الإمام الأشعري, والإمام الغزالي, مما جيش موقفا حادا ضده أدى إلى سجنه سواء في مصر أو دمشق. ورغم أن عصر ابن تيمية ساد فيه المماليك والأتراك, واستعجمت العقول, وضعف الاشتغال بالبحث والتفكير, إلا أن ابن تيمية تميز بشمولية فكره وسعة اطلاعه, حيث نهل من علوم عصره على اختلاف مشاربها بعمق ومن ضمنها الفلسفة اليونانية, ورغم موقفه السلبي منها إلا أنه استفاد من المنطق الأرسطي في نقده للفرق المختلفة. لكنه يظل ابنا لمرحلته وخاضعا لظروفها ومحيطها وبيئتها, لذا كان تفسيره لحكم الشرع وفتاواه خاضعا لنوازل ذلك الوقت, فهو على سبيل المثال حين حاصر التتار دمشق خرج إلى ملكهم وطلب منه الأمان والصلح, حقناً لدماء أهل دمشق, ولكنه في موضع آخر أفتى لمقاتلي المسلمين ضد جيوش المغول بالفطر في رمضان لكي يتمكنوا من مواجهة العدو, كما جاء في كتاب (ابن تيمية السلفي لمؤلفه الشيخ الأزهري /محمد خليل هراس). لكن تظل اشتغالاته الفكرية يرحمه الله، ليست وحيا يوحى، ولا هي نزلت من السماء؛ بل هي منتج اجتهادي ظهر في سياق وظروف اجتماعية وسياسية لو أخضعناه لقانون النسبية لوجدناه مرتبطا بسياقه الذي هو (إما الفرد, الثقافة, الحقبة, اللغة). النسبية هي المفهوم الذي لطالما اشتغل عليه الفلاسفة والفقهاء منذ الأزل كقول أفلاطون: "تظهر الأشياء لي، كما توجد بالنسبة لي، وتظهر الأشياء للآخرين، كما توجد بالنسبة لهم" وقول الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وصولا إلى الفيلسوف هيدجر الذي يرى (إن الحقائق متعددة وليست واحدة بل هي الحقيقة هي انفتاح على الواقع واستعداد لاستقباله في الصورة التي ينكشف بها أمام الذات، وهي كذلك تعبير حر للذات في تعاملها مع الواقع). حقول الفكر الآن لم تعد حكرا على جهة محددة, ولا نستطيع أن نحدد علاقتنا بها عبر خرائط جغرافية, أو مركزية محلية, بل باتت تراثا هائلا تتداوله البشرية جمعاء في محاولة منها لترسيخ القيم الإنسانية, التي جعلت الإنسان سيدا على مملكته الأرضية, واحتفت بقيم العدالة, والمساواة, والإبداع البشري المحلق في سماوات الإبداع المتأبية عن الأطر والحواجز المكبلة التي تحجبها عن عصرها.

مشاركة :