اللغات جسر الثقافات بقلم: لطفية الدليمي

  • 7/8/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تعلم اللغات يساعد في تطوير القدرات الإبداعية لدى الشعراء والروائيين والنقاد والكتّاب عموما إلى جانب الاطّلاع على مستجدات الفكر والفلسفة في الثقافات العالمية.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2017/07/08، العدد: 10685، ص(15)] لم يتردد الكاتب البريطاني والباحث في اللغات نيكولاس أوستلر أن يفتتح كتابه الشهير “إمبراطوريات الكلمة” بعبارة عربية مترجمة إلى لغته الإنكليزية “قوة الإنسان في عقله ولسانه” وهي في الأصل كما نعرفها “المرء بأصغريه قلبه ولسانه”، وللأسف فقدت العبارة طلاوتها وبهت تأثيرها البلاغي عندما جرت ترجمتها مرارا، ويؤكد أوستلر أهمية اللغة في تمهيده للكتاب بمقولة شرطية “إذا كانت اللغة هي التي تجعلنا بشرا؛ فإنها هي التي تجعلنا بشرا متفوقين، فاللغة تضعنا في سياق سلسلة ثقافية متصلة تربطنا بالماضي وتظهر معانيها لصحبنا الناطقين بها في المستقبل”. وأضيف هنا “ومعرفة لغات أخرى تمنحنا قدرات وامتيازات تؤكد تفوقنا وتعززه”. شاهدت قبل أيام فيديو لطفلة روسية بعمر الرابعة في برنامج عالمي للموهوبين تجيد سبع لغات عالمية نطقا وقراءة وكانت تقرأ في قصص للأطفال بتلك اللغات أمام مختصين باللغات المعنية ومن بينها اللغة العربية، أبهرتني الطفلة الموهوبة بنطقها السليم حين أعادت باللغة العربية -كأيّ مترجمة بارعة- سرد جميع مقاطع القصص التي قرأتها باللغات الستّ أمام لجنة الحكام، الموضوع ليس بدعة أو أعجوبة نادرة الحدوث في المجتمعات الأخرى، إذ غالبا ما نعرف وجود أطفال أو أشخاص بالغين يجيدون بضع لغات عالمية تعلموها بجهود شخصية وبدفع ومساندة من آبائهم وأمهاتهم أو بحكم ظروف عيشهم في بلدان مختلفة، باستثناء مجتمعاتنا التي لا تعنى بتعليم الصغار لغاتٍ أخرى إلى جانب لغتهم الأم لأسباب كثيرة أولها تردّي طرق التعليم ومناهجه في مدارسنا والاستخفاف بدروس اللغات الثانية؛ فأغلب طلابنا يدرسونها لأجل الحصول على درجة النجاح وحسب وليس لشغف شخصي بامتلاك لغة عالمية، ومن تلك الأسباب المهمة أيضا عدم إدراك الغالبية من الآباء والأمهات عندنا لإمكانية التعلم السريع للغات في سن مبكرة، في حين نجد أطفالا في عوائل مختلطة الأعراق يجيدون ثلاث أو أربع لغات ويواصلون تنمية قدراتهم اللغوية في مراحل نموهم المتقدمة لإدراكهم أهمية اللغات الرائجة في عصرنا العولمي الراهن . يساعد تعلم اللغات في تطوير القدرات الإبداعية لدى الشعراء والروائيين والنقاد والكتّاب عموما إلى جانب الاطّلاع على مستجدات الفكر والفلسفة في الثقافات العالمية. ويساعد تعلم أكثر من لغة عالمية في تطور الشخصية؛ فيشعر المرء بتحقق الذات والحصول على الرضا النفسي كلما اكتشف جديدا عبر اللغة الأخرى. وينفع تعلم اللغات الأجنبية في تحسين المهارات التحليلية وازدهار القدرات الإبداعية الذاتية فهو كفيل بفتح آفاق جديدة للتعرف على ثقافات الشعوب، ومع اللغة الأخرى تزداد وتيرة اكتساب المهارات لحل المشكلات والتعامل مع المفردات المجردة وفهم الاستعارات والرموز في الثقافات المختلفة. ومن المزايا الجوهرية التي نكتسبها عند تعلم لغات أخرى الإمكانات اللامحدودة للحصول على العمل وكسب التحديات في التنافس على الكثير من الوظائف في زمننا المتسم بالهيمنة الإلكترونية التي تتطلب التعامل مع لغات عالمية. إضافة إلى ذلك تعزز اللغة الأخرى قدرتنا على الإصغاء للآخرين؛ فجهل لغة الآخر أفضى عبر التاريخ الإنساني إلى سوء فهم كبير ترتبت عنه نتائج خطيرة. وقد أثبتت التجارب العلمية أن تعلم عدد من اللغات الحية ينشط الذاكرة وبالتالي يعزز فهمنا للحياة والعالم من حولنا، مثلما أثبتت الوقائع الميدانية أن معرفة لغات عديدة تعين المرء على استيعاب المعضلات البشرية واحترام الاختلاف، وبالتالي الارتقاء بمستوى العلاقات الإنسانية وتعزيز السلام والتفاهم وتفعيل التعاون المثمر بين البشر في المجالات العلمية والثقافية والتقنية. كاتبة عراقيةلطفية الدليمي

مشاركة :