تلك الكراهية التي يكنها المجتمع الإغريقي للنساء واقترحت أن يعتزل الرجل امرأته إلا إذا قصد الإنجاب لإدامة الجنس البشري، فحجرت النساء في الحريم حتى غدا المنزل محض سجن ومعزلا لإنتاج ضرورات الحياة.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2017/09/22، العدد: 10759، ص(14)] لا تزال الأساطير التي تدور حول ربط الشر بالمرأة تتحكم بوعي شعوبنا وتوجه سلوكها تجاه النساء في تناقض فاضح بين الطبيعة الأولية المنصفة وبين سعي السلطات الدينية إلى إقصاء النساء وعزلهن عن الفضاء العام والتحكم بما ترتديه المرأة وتحديد تحركاتها وكبح طموحاتها الإنسانية والثقافية. تردت أوضاع النساء إلى ما نراه اليوم في مجتمعنا بانصياع الجموع مغيبة الوعي إلى تغوّل البعد الخرافي والسياسي الطائفي وتبني تلك الجموع مواقف متشددة إزاء المرأة مع احتقار معلن لقيم الإنسانية ومظاهر الجمال والتحضر. أطلقت الميثولوجيا الإغريقية أسطورة “باندورا” القائلة بأن بلاد الإغريق العتيقة كان يسكنها ذكور خلقوا من الطين ولم تخلق معهم أية أنثى في تلك الأزمنة الغابرة، وعندما وهب زيوس الأرض إلى بروميثيوس ليعمرها رأى بروميثيوس الرجال البائسين يقاسون البرد والمطر والظلام، فتعاطف معهم وفكر بإيجاد حل لبؤسهم والقيام بإجراء يغير أحوالهم، وعزم على سرقة النار من جبل الأوليمب -حيث تقيم الآلهة الخالدة- ليمنحها للرجال الفانين المشردين في العراء، فغضب زيوس وقرر معاقبة بروميثيوس السارق بأن ربطه إلى صخرة وسلط عليه نسورا تفترس كبده أبد الدهر فينبت له كبد جديد كل صباح، ومن أجل أن يعاقب الرجال، طلب من فولكانو الحداد أن يخلق المرأة التي وهبتها فينوس الجمال والحب ومنحتها أثينا الذكاء والحكمة ووهبتها بقية الآلهة البراعة والجرأة والفضول ولما اكتمل خلقها قدم لها زيوس صندوقا مغلقا وطلب منها ألا تفتحه -وهو يعلم أنها ستعصى طلبه– وبعد وقت قصير دفعها فضولها لكشف غطاء الصندوق فانطلقت الشرور والأمراض والآثام من الصندوق، وبقي “الأمل” راقدا في الصندوق لكنه سرعان ما تململ واستيقظ وانطلق طائرا في إثر الكوارث والشرور إلى جهات العالم ليخفف آلام البشر وأحزانهم. على النقيض من الأسطورة الإغريقية قدمت أسطورة الخلق السومرية قصة تساوي بين النساء والرجال، فقد اعتقد الرافدينيون بأن خلق البشر تم في لحظة واحدة عندما مزجت الإلهة الأم ننتو التراب بماء الفرات وصنعت من الطين سبع إناث وسبعة ذكور وقرأت عليهم تعويذة الولادة فاكتسبوا الحياة، فولد الرجال والنساء في لحظة واحدة وصنعوا الحياة معا من غير انحياز للذكورة على حساب الأنوثة، وبعد ظهور المدونات اليهودية المفرطة في ذكوريتها وُصِمَت حواء الأم الأولى بالشرّ والغواية والانصياع لإغراء الأفعى مما أدى إلى فقدان الفردوس؛ فترسّخت في الوعي الجمعي للبشر ثنائية: المرأة والشر، المرأة والشيطان. تذبذب الموقف الذكوري من المرأة عبر العصور ما بين الانجذاب والكراهية والافتتان والنفور والتواصل والنكران، وصيغت مفردات معظم الثقافات الأولى (الهندوسية والإغريقية والبوذية واليهودية) على أساس دونية المرأة وقذارتها وجرى تجريمها انطلاقاً من اعتقادات دينية متواترة إضافة إلى الرؤيتين الفيثاغورية والأفلاطونية اللتين أجمعتا على احتقار النساء والحط من شأن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، فقد عبرت فلسفة أفلاطون عن تلك الكراهية التي يكنها المجتمع الإغريقي للنساء واقترحت أن يعتزل الرجل امرأته إلا إذا قصد الإنجاب لإدامة الجنس البشري، فحجرت النساء في الحريم حتى غدا المنزل محض سجن ومعزلا لإنتاج ضرورات الحياة فكانت المرأة تنسج ثياب الأطفال وملابس الزوج وتعد الطعام وتنظف وترعى الدواجن مما يتيح للرجل الخروج والتزود بالثقافة والعلم والخبرات خارج المنزل، وحرّم المجتمع الإغريقي على العبيد والنساء مناقشة الشؤون العامة، ومنعت النساء من التعلم واكتساب الثقافة والتحرك في الفضاء العام، بينما كان أفلاطون ذاته وبقية الفلاسفة يرتادون صالونات سيدات الطبقة الرفيعة المثقفات. كاتبة عراقيةلطفية الدليمي
مشاركة :