لقد أصبحت للفتوى سوق يبيع فيها كل حسب رغبته إرضاء لهذا وذاك، وخصخصتها إلى درجة تحوّلها إلى أداة للعبث والسخرية. العرب فاتن معتوق [نُشر في 2017/07/09، العدد: 10686، ص(21)] كان صباحا جميلا، أفقت باكرا ووقفت قرب النافذة أتأمل شروق الشمس، كان رائعا ليس ككلّ الأيام، رفعت فنجان القهوة أترشفها بلطف، حملتني زقزقة العصافير لأطير معها وسط أحلام جميلة. وضعت فنجان القهوة، عدت للتأمل، فجأة شعرت بيد تلامس يدي برفق، وبهمسات رقيقة، تقول، أحبك.. أحبك.. أعشقك. تضاعفت دقات قلبي، وتسارعت رعشة تلتها رعشة، أيكون هو؟ كيف؟ كيف عثر على مكاني بعد طول سنين؟ هتف في أذني، الحب دلّني على مكانك! ردّدت في نفسي ولكن طالت السنون وتغيرت الأحوال، وضع يده على خدي وهتف، الحب لا يعترف بالزمان ولا بالمكان. إنه ماض جميل، ولكنّي نسيته مع معترك الحياة، تركت كل ما يربطني به، وكلما تذكرته كنت أسعى إلى نسيانه من جديد، لأعيش الحاضر دونه. أشعل سيجارة، اقترب منّي أكثر، مسك يدي، وهمس، لا نستطيع محو الماضي لأن الحاضر امتداد له، ولأن الحب يجري في دمنا فإننا نتمسك بما مضى ونعيش الحاضر وننتظر المستقبل. كانت كلماته كافية بأن تجعلني أطيل التأمل دون ملل، غير أن الحلم لن يدوم، فسريعا ما شعرت بيد تمسك بيدي بشدة، وسمعت صوت ابنتي وهي تناديني، ماما !ماما ! البابا يناديك. نظرت إليها وأنا أتساءل، طيف من يكون؟ أهو عاد بعد طول سنين؟ هل لي الحق في حلم جميل؟ تذكرت فتاوى عصرنا، ووجدتني أسرع نحو الهاتف، وأمسك بيدي الأخرى “الريموت كنترول” أبحث في قنوات التلفزيون عن شيوخ هذا العصر.. تذكرت فوضى الفتاوى “الشيطانية” التي أغرقنا بها شيوخ العصر الذين لا يهتمون إلا بالخوض في مسائل المرأة والجنس ويروّجون لها عبر قنوات خاصة بهم يبثون من خلالها فتاوى يكفّرون بها من يشاؤون ويلقون ببردة الإيمان على من يحلو لهم. شيوخ عصرنا حوّلوا منابرهم إلى مستنقع يصدرون منه فتاوى باسم الدين ولا تمتّ بأيّ صلة له، فتاواهم أباحت للمرأة العاملة بإرضاع زميلها في العمل منعا للخلوة المحرّمة، وكذلك مضاجعة المرأة الميتة والتي سُمّيت بـ”الفتوى الشاذة”، وغيرها من الفتاوى التي مرت بذاكرتي وأنا أبحث عن حلّ لعشقي. ومن أغرب الفتاوى التي علقت بذاكرتي، والتي أثارت الرأي العام، فتوى الداعية أسامة القوصي التي أجازت للرجل رؤية المرأة التي يرغب في الزواج منها وهي تستحم. وكان القوصي قال في نص فتواه “لو أنت فعلًا صادق وعايز تتزوج هذه البنت، وعرفت تستخبّى وتشوف حاجة هي مش ممكن تورّيهالك، لا حرج، إنما الأعمال بالنيات، وأحد الصحابة فعل ذلك، فاستنكر عليه البعض، وقالوا له أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله؟ فقال نعم قال رسول الله إن استطاع أن ينظر لما يدعوه لنكاحها فليفعل”. كما كانت لنائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي مجموعة من الفتاوى المثيرة منها الفتوى الخاصة بالزنا، حيث أفتى بأنه “لا يمكن للزوج أن يقتل زوجته إذا رآها عارية ومعها رجل آخر غيره، ولكن لا بد أن يكشف عليها وعليه حتى يتأكد من أمر وقوع الزنا”. لم أتردّد وقرّرت الاتصال بأحد شيوخ التكفير ووعاظ السلاطين الذين يلجأون إلى الحيل الشرعية لمسايرة أهوائهم، بفتوى يعتبرونها مفخرة يحرّمون ويحلّلون فيها ما يشتهون. لقد أصبحت للفتوى سوق يبيع فيها كل حسب رغبته إرضاء لهذا وذاك، وخصخصتها إلى درجة تحوّلها إلى أداة للعبث والسخرية. وهناك من حوّلها إلى تجارة مربحة يستميل بها الساسة شعوبهم. كما تذكرت فتاوى الشيخ شلتوت في مصر حين كان المصريون يتندرون بها ويقولون “فتوى مشلتتة” لأنها معمولة على المقاس، فبحثت عن قنوات كانت فيها الفتاوى تكتب بجانب إعلانات ذات صبغة تجارية، لبيع منتوجات أو كراء شقق أو طلب إعانة، إضافة إلى إعلانات عن الزواج وعن الخلفة وغيرها من الأشكال التي تستهوي الراكضين وراء الأوهام والأحلام. رفعت سماعة الهاتف، اتصلت عديد المرات، قد تكون الطلبات المتراكمة هي السبب، وفي الأخير سمعت صوتا أجشّ شعرت برهبة.. هل هذا صوت شيخ وقور! كيف سأرفع له شكواي ليبيح لي ما أرغب؟ آلو، آلو، هل تسمعني سيدي الشيخ، أنا…. مِن…. مشكلتي… فهل لي بفتوى عن العشق الممنوع؟ صحافية من تونسفاتن معتوق
مشاركة :