التكنولوجيا بكل ما فيها من إيجابيات، كانت سلبياتها أطغى على أطفالنا، أصبح جيلا لا إحساس له، جعل من كل شيء أضحوكته التي يتسلى بها حتى المقدس منها.العرب فاتن معتوق [نُشر في 2017/11/21، العدد: 10819، ص(21)] كنا في صغرنا نحب المدرسة وننتظر بفارغ الصبر فترة الدراسة، لا يعني أننا نكره العطل، لكن كنا نرغب في الدراسة لما كانت لها من لذة وطعم، سواء مع معلمينا في المدارس الابتدائية أو أساتذتنا في المعاهد وأيضا في الجامعات. كنا ندخل الفصل وكلنا شغف ننتظر قدوم “ملهمنا”، نقف تحية إجلال لمن يمدنا بالعلم، نحترمه ونقدسه ونخشاه. مكانته الرفيعة جعلته دائما الشخص الذي لا نستطيع حتى النظر في عينيه لأننا نخشى غضبه، لكننا أيضا نحب ساعات الدرس معه. كبرنا وكبرت صورة المربي الفاضل في أعيننا ومخيلتنا، نتذكر توجيهاته لنا ونصائحه التي ورثناها منه ولقناها لأبنائنا حتى يدركوا أن المربي الفاضل “رجل مقدس”. علمنا أبناءنا أن المربي الفاضل هو من يضع بيدهم سلاح الحياة ويرشدهم إلى الطريق الصحيح، وينير دربهم بدروسه التي يسعى إلى تبسيطها وشرحها لهم بطريقة ترغّبهم في فهم الدرس كما يرشدهم بنصائحه التي تبقى في ذاكرتهم. فالمربي الفاضل لم يكن فقط ناقلا للدرس، بل هو إنسان يوجهنا حتى في حياتنا الخاصة. تحوّل كبير، حدث فجأة، لم ندرك مدى خطورته مع الزمن، تغيرت أفكار أبنائنا الذين تربوا على الإنترنت وأصبحوا لا يفارقونها هي معلمهم الجديد، جعلت منهم جيلا يفتقر للروابط الاجتماعية والإنسانية. التكنولوجيا بكل ما فيها من إيجابيات، كانت سلبياتها أطغى على أطفالنا، أصبح جيلا لا إحساس له، جعل من كل شيء “أضحوكته” التي يتسلى بها حتى المقدس منها. لقد تخطى هذا الجيل الحواجز الإنسانية وأصبح يدمر حياته دون أن يدرك ذلك، ويعتدي على كل من حوله، بدءا من محيطه العائلي وصولا إلى “المربي الفاضل”. تكررت الاعتداءات وباتت خطرا على المجتمعات العربية التي تعاني من أزمة “التفتح” غير المنظم، فكانت حادثة الاعتداء على أستاذ بثانوية سيدي داود بورزازات المغربية، شرارة كبرى للأطر التربوية، التي استنكرت الواقعة واعتبرتها تعديا على الحرم المدرسي ككل. كذلك حادثة محاولة قتل أستاذة بالجنوب التونسي من قبل تلميذها الذي لم يتجاوز الـ15 سنة، وغيرها من الحوادث التي باتت شبه يومية يتعرض لها المربي أو الإطار التربوي، وكلها من قبل تلامذة وحتى في بعض الحالات تكون بدعم من الأولياء. أحداث باتت تدق ناقوس الخطر لأوطاننا العربية وتكشف ما وصل إليه حال التعليم وخاصة وضع المربي في المؤسسة التي من المفروض أن تكون مؤسسة مقدسة تتخرج منها الأجيال. المربي اليوم أصبح يبذل جهدا مضاعفا لإيصال المعلومة للتلميذ، لكنه في نفس الوقت أصبح قلقا على وضعه داخل القسم، لا خوفا من التلميذ، بل خوفا من الاعتداءات الإجرامية التي تعلمها التلميذ دون أن يدرك عواقبها. شهادة عرفان وامتنان وتقدير لكل معلم يتفانى في تبليغ المعرفة إلى طلاب العلم، وكل الأسف على جيل أضاعته الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة لأنه لم يستلهم منها إلا سلبياتها ليكون في النهاية “جيلا لاإنسانيا”. صحافية من تونسفاتن معتوق
مشاركة :