التلفزيون العربي اليوم ليس مصابا بنزلة برد مؤقتة يسهل علاجها، إنه مريض بشدة وينفث فيروسات المرض على المشاهدين بقصد انتشار العدوى. الكراهية والطائفية أحد الأعراض المرضية التي ساهم التلفزيون في انتشارها عن قصد. المشكلة إن الداء مُشخّص ببساطة لكن لا أحد يتقبل أخذ العلاج، لا مصالح التلفزيونات تقبل تغيير خطابها من أجل المصلحة العامة، ولا الجمهور مستعد لغلق نوافذ منزله أمام فيروسات التلفزيون. ثمة قصة تاريخية يتداولها الصحافيون البريطانيون كلما أرادوا الدفاع عن حريتهم حيال تغوّل الحكومات ومحاولة السيطرة على الصحافة، يبدو من المناسب العودة إليها. في عام 1854، وخلال حرب القرم، أرسل مراسل صحيفة التايمز ويليام هوارد راسل، قصة خبرية كشفت أن الجنود البريطانيين كانوا يعيشون في ظروف قاسية، والمعدات الطبية غير كافية، والفوضى تكتنف إدارة الجيش. استشاط غضب حكومة لورد أبردين في عهد الملكة فيكتوريا آنذاك، واتهمت المراسل روسل ورئيس تحرير التايمز جون ديلان، بضعف الحس الوطني عند نشر خبر ينتهك الأمن القومي. لكن محاولة إدانة المراسل وتشويه سمعة الجريدة فشلت، عندما توافد البريطانيون للتبرع بالمال للحصول على الإمدادات الطبية لدعم الجيش. وتلت ذلك تظاهرات عنيفة ضد الحرب أدت إلى انحسار حكومة أبردين بعد خسارتها الثقة. لماذا حدث كل ذلك؟ لأن الإعلام كان موضع ثقة! بينما تلك الثقة مهددة اليوم. كرم نعمة karam@alarab.co.uk
مشاركة :