هذا عنوان لكتاب قيم صدر قبل 9 سنوات، وفاز بجائزة الشيخ زايد في مجال التنمية وبناء الدولة لعام 2009 لأستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين، الدكتور باقر سلمان النجار، يستشرف فيه مستقبل الإصلاح السياسي في الخليج، والعوامل التي تعوق التحديث السياسي. وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، فإن المؤلف الفاضل قد وفق في اختيار هذا العنوان لكتابه، فالكتاب دراسة تحليلية نقدية لمنظمات المجتمع المدني في الخليج، باعتبارها، تشكل البنية التحتية للديمقراطية، إذ لا ديمقراطية من غير مجتمع مدني يكون حاضنة اجتماعية للديمقراطية، وكما يقول الدكتور سعد الدين إبراهيم: إذا زرعت الديمقراطية أو نقلتها إلى تربة أي بلد بلا مجتمع مدني فلن تعيش، وإذا عاشت فإن ذلك يكون بوسائل اصطناعية إلى أن يقبلها الجسم الاجتماعي-السياسي لهذا البلد، وهو لن يقبلها إلا إذا ساندت هذه الديمقراطية المستزرعة تنظيمات مجتمع مدني، ومن هنا ندرك أن جزءاً أساسياً مما يسمى الاستعصاء الديمقراطي العربي، تعود أسبابه إلى غياب أو ضعف منظمات المجتمع المدني. في المقدمة يبرز المؤلف قدرة الأنظمة العربية على المناورة والتكيف بالرغم من التحولات الدولية والمحلية الضاغطة، وذلك عبر تفريغ المشروعات الإصلاحية من مضامينها وأهدافها، وهو في هذا السياق يرد على مقولة أن هناك عداء متأصلاً في المجتمعات العربية تجاه الحداثة والديمقراطية، ويرى أن طبيعة الدول العربية المهيمنة، هي المعوق الأكبر ويعرف المؤلف منظمات المجتمع المدني بأنها: مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام، بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها أو تحقيق منفعة جماعية للمجتمع، مع التزام قيم الالتزام والتراضي والإرادة السلمية للتنوع والخلاف ومعاييرها، وهو بهذا يتبنى مفهوماً موسعاً يشمل التنظيمات التقليدية- القبلية أو الطائفية- والتنظيمات الحزبية المعارضة أيضا، مع أنها في السياق الغربي لا تدخل في مفهوم المجتمع المدني، بل المجتمع السياسي. ينتقد الدكتور النجار التحليل الذي يقصر السمة (التقليدية) على المجتمع الخليجي وحده، ويرى أنها سمة عامة للمجتمعات العربية عامة، كما يفسر قدرة النظام الخليجي على مواجهة تحديات الحركات الأيديولوجية والقوى الانقلابية التي أطاحت بالنظم الملكية، بـ3 عوامل: 1- قدرة النظام الخليجي على نسج التحالفات الدولية والداخلية. 2- القبول المجتمعي العام الذي يحظى به النظام الخليجي، من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية الوفيرة وغيرها من الامتيازات التي يحظى بها المواطن الخليجي. 3- حداثة تشكل الدولة الخليجية مقارنة بالدول العربية الأخرى، فالقبيلة ما زالت تفرض حضورها وفعاليتها في المجتمع والدولة، وقد عزز "النفط" إحياء قيمها، ومكن الدولة الخليجية من الاستغناء عن المجتمع. يتحفظ المؤلف على المقولة الشائعة "لا ضريبة من دون مشاركة" في الحالة الخليجية، بدليل أن غياب الضرائب لم يمنع الدعوات الإصلاحية، وبالرغم من قدرة النظام الخليجي على استثمار الدين ونجاحه في عقد التحالفات المجتمعية (القبلية والدينية) ومهارته في تقديم الخدمات والمكرمات والامتيازات، وحل الكثير من المشكلات الاجتماعية بهدف القبول المجتمعي العام، فإن المؤلف يرى أنه لا خيار مستقبلياً أفضل من المسارعة في خطوات الإصلاح السياسي، وإفساح المجال أمام المشاركة السياسية العامة، وجعل المجتمع شريكاً في حمل المسؤولية. يؤكد النجار أن الإصلاح إرادة حقيقية لا هدف مرحلي لتجاوز الضغوط، ومن هنا يركز على أهمية الطبقة الخليجية الوسطى، حاضنة لقيم الحداثة والديمقراطية، لكنه يرى أن الطبقة الوسطى الجديدة هي من القوى المناهضة للحداثة، لذلك فإن المجتمع الخليجي بالرغم من تشابكه العولمي، فإنه لا يزال مجتمعاً انتقاليا يحمل أبنية وهياكل سياسية حداثية، لكنها محكومة بقيم تقليدية مقاومة للتغيير. يرى المؤلف أن معظم منظمات المجتمع المدني مخترقة من الحركات الأيديولوجية، مما أفرز تكريس فكر "الكراهية" وتعميق "التعصب" ونشر "التطرف"، وحسب رأيه فإن حجم التحديات الداخلية والخارجية أمام النظام الخليجي أكبر من أن تنفع في مواجهتها سياسات "التكيف المؤقت" دون عبور حقيقي للمجتمع والدولة نحو الدمقرطة. ويختم المؤلف كتابه بقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ". * كاتب قطري
مشاركة :