لصوص البيت فاروق يوسف هناك من بين الرسامين مَن يتأثر بتجارب الآخرين وهناك مَن يقلد تلك التجارب، بين التأثر والتقليد مسافة تكشف عن حقيقة ومستوى الموهبة لدى هذا الرسام أو ذاك. التأثر والتقليد يعبران معا عن درجة عالية من الإعجاب والإنشداد إلى تجارب فنية بعينها، غير أن مَن يتأثر لا يخفي تأثره إلاّ من أجل أن يتحرر منه، في حين يخفي من يقلد علاقته بالأصل كما يفعل اللص الذي يتوهم أن الآخرين غافلين عن فعلته. غالبا ما ينفر المقلدون من ذكر الفنانين الذين يقلدونهم، التأثير والتقليد ظاهرتان معروفتان في تاريخ الفن، بل يمكنني القول إنه ما من فنان بدأ حياته الفنية إلاّ من خلال الوقوع في فخ واحدة من تلكما الظاهرتين. غير أن ظاهرة انتحال التجارب الفنية بأساليبها وموضوعاتها وأفكارها لا تمت بصلة إلى التأثر أو التقليد، بقدر ما تجسد حالة استثنائية، هي مزيج من اللصوصية والانحطاط الأخلاقي والعدوانية المبيتة، وهي الظاهرة الأكثر بروزا في المشهد الفني بالعالم العربي اليوم. الانتحال هو نوع من التزوير المغطى بجهل ونفاق نقاد الفن وأصحاب القاعات الفنية وأحيانا الفنانين أنفسهم، لقد سطعت أسماء عديدة لفنانين هم في حقيقتهم مجرد لصوص، لم يكدحوا ولم يشقوا ولم يتألموا ولم يسهدوا ولم يضيعوا قبل أن يقطفوا الشهرة التي هي ليست من حقهم. كل ما فعلوه أنهم سطوا على تجارب غيرهم وادعوها لأنفسهم، سرقوا ثمار حياة شيدها أصحابها بموهبتهم وخيالهم وجهدهم اليومي وشقائهم الغامض. سرقة تتم في وضح النهار لا يملك المتضررون منها أن يقوموا بشيء لاسترداد حقوقهم المهدورة في ظل انهيار أخلاقي مدعوم بصمت قانوني. لقد رأيت رسامين يُحتفى بهم عربيا وعالميا هم مجرد لصوص صغار ذيلوا رسوم الآخرين المزورة بتواقيعهم، وهو ما يدعو إلى الشعور باليأس من إمكانية قيام حياة ثقافية تحفظ لصانعيها الصادقين كرامتهم وشعورهم بالإنصاف، فحين يتصدر اللصوص المشهد يتوارى أصحاب البيت خلف جزعهم. كاتب عراقي sarab/12
مشاركة :