تشهد العلاقات السعودية المصرية في الآونة الأخيرة أكثر فترات التنسيق والتعاون قوة قياسًا على الأخوّة والمحبة التي تربط الشعبين والقيادتين من جانب وبسبب المصلحة السياسية في التقارب والتعاون لتجاوز الأزمات العاصفة التي يمر بها الإقليم وتهدد وجوده في الصميم. ولا شك أن العلاقات بين البلدين لا تحتاج إلى إعادة التأكيد على متانتها وقوتها، فهى علاقات ضاربة في عمق التاريخ لا يمكن أن تنال منها أي أزمات طارئة أو خلافات في وجهات النظر، وهي وشائج في منتهى الصلابة تستمد صلابتها من الروابط الإسلامية والعروبية الثقافية والحضارية واعتبارات المصاهرة والدم، ويثبت التاريخ أنه كلّما تعرّض الإقليم لخطر داهم دائم لا يجد العرب سوى القوة السعودية المصرية التي تدافع، وتتصدّى، وتقاوم بكل إمكاناتها، وتطوّع كل قدراتها في خدمة الشعوب العربية. وإذا ما أطلقنا على البلدين جناحي الأمة العربية، فليس هناك أدنى قدر من المبالغة، فالبلدين بالفعل يمثلان الدرع الذى تتحطم عنده طموح المتآمرين على الأمة والساعين لخرابها. وظلت الرياض دائمًا تدعم القاهرة معنويًّا وماديًّا حتى يتحقق الاستقرار للشعب المصري، وبلغ إجمالي المساعدات السعودية لمصر في الفترة التي سبقت 30 يونيو أربعة مليارات دولار، وزاد عدد العمالة المصرية بالمملكة بنحو 400 ألف عامل، وأعطيت الشركات المصرية أولوية كبيرة في الاستثمار داخل السوق السعودي. إذا ما تأمّلنا ذلك، ورأينا على الجانب الآخر الضجيج الذي تسببه دول أخرى بسبب رحيل الرئيس المعزول، وهي لم تقدم للقاهرة ربع ما قدّم لها من مساعدات أو تسهيلات من المملكة سنعرف أن متانة العلاقات، وتكامل الرؤى ليس بالكلام، ولا بالشعارات الرنانة، وإنّما هي مواقف وأفعال. وانطلاقًا من مسؤوليتها وواجبها تجاه أشقائها في مصر كان على القيادة السعودية أن تساعد لإبعاد الأشقاء في مصر عن النفق المظلم التي كانت تقترب منه، فالنظام الإقليمي العربي لم يعد يحتمل مزيدًا من الفرقة والفتنة والضعف، وخاصة إذا دخلت في هذا المستنقع دولة لها مكانتها الكبيرة في العالم العربي مثل مصر. كان موقف المملكة بعد أحداث الثلاثين من يونيو العام الماضي في مصر بعد إطاحة الجيش والشعب بنظام الإخوان المسلمين في مصر هو ذلك الموقف القوى الذي انحاز لإرادة المصريين، وأضاع على المخرببن الفرصة التي حلموا بها لإغراق مصر والمنطقة في بحور من الفتنة التي كان المصريون والعرب سيدفعون ثمنًا باهظًا لها. ووسط رأى عام غربي متحفظ وبطيء، كان صوت المملكة قويًّا شجاعًا، وضع نصب أعينه استقرار مصر وسلامة جسد العرب من تمزق جديد ينال منه ويجهز عليه. وقد لخص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الموقف السعودي في بيانه بتاريخ التاسع من شوال 1434هـ، الموافق السادس عشر من أغسطس عام 2013م بوقوف المملكة إلى جانب مصر ضد الإرهاب، والضلال، والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤونها الداخلية، وشدد على الحرص على ثبات ووحدة الصف المصري، الذي يتعرض لكيد الحاقدين الذين يسعون لضرب وحدته واستقراره. وعبّر المليك عن ثقته في قدرة مصر العروبة والإسلام والتاريخ المجيد على مواجهة الإرهاب، والعبور إلى بر الأمان. وقامت الخارجية السعودية بدور مضاعف لتوضيح حقيقة ما حدث في مصر أمام العالم، وأن ما حدث لم يكن انقلابًا، وإنما هو تعبير عن إرادة شعبية مصرية حقيقية لا تقبل الجدل ولا تخضع لتأويل، ووقف وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في باريس يدعو العالم، لأن يقف بجانب مصر ويساعدها ويساند سلطاتها المؤقتة؛ لأن تنجز خارطة الطريق وتمضى في طريق التنمية والاستقرار الذى رسمه الشعب المصري وحلم بتحقيقه في ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013. وقد جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين للقاهرة في طريق عودته من المغرب فرصة مهمة للتأكيد على عمق العلاقات، ورسالة بليغة لأولئك الذين يضمرون شرًّا لمصر وللعرب بأنهم لن يستطيعوا أن ينالوا من جناحى الأمة، وقد كان صعود الرئيس عبدالفتاح السيسي لطائرة خادم الحرمين وطبعه قبلة على رأس حكيم العرب مشهدًا إنسانيًّا مؤثرًا بنفس قدر دلالته السياسية التي تعكس تقديرًا وامتنانًا ووفاءً من مصر تجاه من وقف بجانبها وساندها في الحق في واحدة من أصعب فترات تاريخها المعاصر. وقد كان لزيارة خادم الحرمين بالرغم من قصرها، دلالات عميقة، تعكس حرص القيادة السعودية على استقرار مصر، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون السعودي المصري ضد التطرّف والإرهاب. ولا شك انها قد كشفت بجلاء أيضًا عن مصلحة محور الرياض - القاهرة بالذات في الحفاظ على سلامة النظام الإقليمي العربي وتماسكه، وعن ضرورة تكثيف الجهود الأمنية والإستراتيجية المشتركة لحماية الشعوب العربية من خطر التطرّف والإرهاب الذى زادت وتيرته بشكل مخيف في العراق، وفي سوريا التي سيطرت الجماعات الإرهابية مثل داعش وغيرها على أجزاء منهما وعبرت عن مطامع إقليمية خبيثة ينبغى التصدى لها بكل قوة. زيارة خادم الحرمين للقاهرة للتأكيد على دعم قيادتها كان يعني الكثير بالنسبة للإقليم وللصراع العربي الإسرائيلي، فدخول مصر في مستنقع الفرقة والتمزق يعني بكل وضوح نصرًا مؤزرًا للجانب الإسرائيلي، فالهدف الإسرائيلي هو رؤية الجيش المصري المتماسك ينهار بعد انهيار الجيوش التقليدية في سوريا، وقبلها العراق، حتى تستنزف قدراته متطلبات سياسية تصرفه عن مهامه الرئيسة في الاستعداد والتدريب والتجهيز والدفاع عن حدود وأراضي البلاد. الرسالة الأخرى شديدة الأهمية التي تقدمها الزيارة أن الانحياز لإرادة الشعوب هو الذى سيشكل انتصارًا لقهر السلطة في العالم العربي، فاحترام ارادة الشعوب وضمان استقرار ووحدتها ظل هو النهج السعودي الثابت في التعامل مع كل الاحداث سواء في مصر أو في سوريا أو في العراق أو في غيرهم من الدول الشقيقة. الزيارة أوضحت للعالم أن شعوب المنطقة تملك إرادتها، وتستطيع التغيير دون تدخلات، أو ضغوط، أو إملاءات من أطراف خارجية، وأن المنطقة لم ولن تكون في يوم من الأيام مصدرة للعنف أو الإرهاب.
مشاركة :