منذ الأزل، تربط الدولتين الشقيقتين: المملكة العربية السعودية ومصر، علاقات الدم والدين والقربى، وشهدت الدولتان زيارات تأريخية متبادلة في عهود متتالية، بدءًا بعهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-، الذي التقى مرارًا بالملك فاروق، ومرورًا بعهود الملك سعود -رحمه الله-، الذي التقى بالرئيس جمال عبدالناصر، وكذلك الملك فيصل -رحمه الله- الذي التقى بالرئيسين عبدالناصر والسادات، والملك خالد -رحمه الله- الذي التقى السادات، والملك فهد -رحمه الله-، الذي كانت له لقاءات عدة مع الرئيس حسني مبارك، والملك عبدالله -رحمه الله-، الذي التقى بالرئيس مبارك عدة مرات، وكذلك الرئيس عبدالفتاح السيسي. وأخيرًا عقدت عدة لقاءات بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس السيسي، كان آخرها اللقاء التأريخي بين الزعيمين في مناورات رعد الشمال التي شاركت فيها قوات مصرية كبيرة في إطار التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، لتأتي من بعد ذلك الزيارة التأريخية المرتقبة يوم الخميس الماضي 7 /4 /2016م التي استمرت خمسة أيام كاملة، واعتبر كثير من المراقبين والمحللين طول مدة هذه الزيارة وتوقيتها وجدول أعمالها مؤشرات واضحة على متانة العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، والجارين أكثر من أي وقت مضى، وقد جعلت كل هذه المؤشرات من هذه الزيارة غير المسبوقة في أهميتها (زيارة دولة) وليست زيارة اعتيادية. ومما يجعلها زيارة دولة حقيقةً، الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية عمومًا والتحديات الكبرى التي تواجهها دولها، ولا تستثنى منها مصر ولا المملكة، ويتصدر هذه التحديات التهديد الإيراني لدول المنطقة جميعًا ومساعيها الدائمة وغير المتوقفة لزعزعة أمن الدول العربية كافة، وترتبط بهذا التهديد معظم إشكاليات العالم العربي وملفاته الساخنة كالملف السوري والعراقي واللبناني إلى آخر القائمة. إضافةً إلى ملفات أخرى تهم العرب جميعًا ومصر خصوصًا كالملف الليبي. ويعتبر الإرهاب ملفًا قائمًا برأسه، إذ تكتوي بناره كل الدول العربية دون استثناء، ويعتبر التحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة وتشارك فيه مصر الموقف الأهم والأقوى عالميًا للتصدي لخطر الإرهاب دون أدنى شك، وهذه الزيارة الكبيرة كانت فرصة سانحة لإتمام التنسيق الكامل بين البلدين الكبيرين للتعامل مع هذه الملفات وإقرار الخطط اللازمة لدرء كل الأخطار المحدقة بالمنطقة بشكل عام، ولم تكن الملفات الأمنية الملحة وحدها تُمثِّل كل محاور وأهداف الزيارة التأريخية، بل كان الملف الاقتصادي حاضرًا بقوة، لتستكمل التوقيعات والترتيبات اللازمة لعددٍ كبير بل هائل من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين في إطار التعاون الأخوي بينهما وضمن مواقف المملكة الثابتة من دعم مصر الشقيقة اقتصاديًا على الدوام، ومن ذلك ترسية 20 مليار جنيه من الاستثمارات السعودية في مصر، ومشروعات تنمية شبه جزيرة سيناء بتكلفة مليار ونصف المليار دولار، وإنشاء تسعة مجمعات سكنية في سيناء بمئة وعشرين مليون دولار، وإنشاء طريق محور التنمية بثمانين مليون دولار، وإنشاء جامعة الملك سلمان بالطور بمئتين وخمسين مليون دولار، وثلاثة عشر تجمّعًا زراعيًا في سيناء بمئة وستة ملايين دولار، وسوى ذلك كثير أهمها: جسر الملك سلمان البري بين السعودية ومصر. لقد أثبتت هذه الزيارة التأريخية التي تعتبر ولاشك الأكبر والأهم في تأريخ البلدين أن العلاقات السعودية المصرية اليوم هي في أحسن أحوالها، وأن ما يُشبه الاتحاد قائم بين الدولتين ليكون الدفاع المشترك بينهما سدًا منيعًا في وجه كل المتآمرين والحاقدين. Moraif@kau.edu.sa
مشاركة :