قال خبراء في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إن نسبة الـ 20% التي تقرر تخصيصها مؤخرا من مشتريات ومناقصات الحكومة لصالح المؤسسات الصغيرة والمتوسط تعني أن المجال بات متاحا أمام هذه المؤسسات في البحرين للاستفادة من حجم مناقصات يبلغ أكثر من 200 مليون دينار بحريني، وذلك على اعتبار أن الحجم الكلي لمشتريات ومناقصات الحكومة بلغ وفقا لآخر تقرير صادر عن مجلس المناقصات والمزايدات في العام 2015 مليارًا وثلاثمائة مليون دينار بحريني.لكن الخبراء أشاروا إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البحرين لا زالت تعاني في معظمها من غياب تعريف واضح جامع مانع لها، إضافة إلى ضعف قدرتها التنافسية، وتعرضها لخطر الإفلاس والخروج من السوق في أي لحظة، وعدم تطبييقها للمعايير الإدارية والانتاجية الصحيحة، ولفتوا إلى أن عمل هذه المؤسسات في إطار من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر أدى إلى ترسيخ ثقافة الاتكالية لدى القائمين عليها.] ما هي المؤسسة الصغيرة والمتوسطة؟وقال رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أحمد صباح السلوم إن قرار تخصيص 20% من مشتريات ومناقصات الحكومة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة سيسهم بلا شك في تحريك هذا القطاع الذي يشكل العدد الأكبر من السجلات التجارية، لكنه أشار إلى أن تطبيق هذا القرار لا زال غير واضح، وأضاف «نحن بحاجة إلى تصنيف جديد للسجلات التجارية يخدم قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأن يعتمد هذا التصنيف معايير تراعي وتتوافق مع البحرين لناحية صغر حجم الاقتصاد والسوق، فلا يمكن تطبيق التعريفات العالمية التي تقول إن رأس مال المؤسسة الصغيرة والمتوسطة يجب أن يكون مليون دولار أو أن تحقق عوائد سنوية بمليون دولار أو توظف خمسين موظفا على سوق البحرين». وتابع السلوم «ربما تقوم إدارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في وزارة الصناعة والتجارة بتصنيف المؤسسات التجارية البحرينية بحسب أنشطتها التجارية وتاريخها وحجم أعمالها ثم تمنح درجة معينية لها وفقا لذلك، وهذه الدرجة تسخدمها المؤسسة في ما يسمى التثقيل عند التقدم للمناقصات الحكومية».وألمح إلى أن وزارة الصناعة والتجارة تعمل الآن على تصنيف إلزامي للمؤسسات، بحيث يكون هذا التنصنيف موجودا في سجل المؤسسة التجاري، وبالتالي تصبح مؤهلة لدخول المناقصات وفقا لهذا التصنيف. وعلى صعيد ذي صلة أشار السلوم إلى أهمية أن تراعي المناقصات والمشتريات الحكومية أو المشروعات الحكومية المطروحة أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة طبيعة هذه المؤسسات في البحرين وقدرتها على التنفيذ.من جانبه أشار عمار عواجي، رئيس لجنة «ألواني البحرين» وهي لجنة دولية معنية بعمل المرأة، إلى أن وزارة الصناعة والتجارة كانت وضعت سابقا ما سمته «التعريف الموحد للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة»، حيث عرفت المؤسسة الصغيرة بأنها المؤسسة التي توظف 11 إلى 50 شخصا، ورأس مالها من 20 وحتى 500 ألف دينار وتحقق معدل دوران رأس مال سنويا 100 ألف إلى مليون دينار، أما المؤسسة المتوسطة فهي التي توظف 51 وحتى 250 شخصا ورأسمالها من 500 ألف وحتى ثلاثة ملايين دينار ومعدل دوران رأس مالها سنويا من مليون وحتى خمسة ملايين دينار.لكن عواجي أردف أن هذا التعريف يضع معظم المؤسسات البحرينية في إطار ما يسمى بـ «المؤسسات متناهية الصغر» التي لا يتجاوز عدد موظفيها العشرة ورأسمالها أقل من عشرين ألف دينار، وقال: «جانب كبير من قطاع الأعمال في البحرين هي مؤسسات ناشئة أو مايكرو، وهي عبارة عن محل أو بقالية أو شركة صغيرة بموظفين أو ثلاثة، مع وجود عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وعدد قليل جدا من الشركات الكبيرة معظمها حكومية، وهذا الوضع يتماشى مع حقيقة أن سوق البحرين صغير، ولا يمكن التوسع به في نشاط تجاري واحد إلى ما لا نهاية، لذلك نرى أن رجل الأعمال الواحد لديه العديد من الأنشطة التجارية المختلفة التي تنهض بها مؤسسات لا يتجاوز عدد موظفيها العشرة».بدوره قال رئيس جمعية البحرين للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الدكتور عبدالنبي الديري «إن قرار تخصيص 20% من المشتريات الحكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة يحاكي ما هو معمول به في الكثير من الاقتصاديات المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية والتي تخصص ما نسبته 23% من مشتريات ومناقصات الحكومة لتكون من خلال المؤسسات الصغيرة»، وأضاف بأن الشريحة التي من المتوقع أن تستفيد من هكذا قرار ستكون بلا شك كبيرة وهو ما سيعود بالنفع على الوطن والمواطن والاقتصاد الوطني بشكل عام ولا سيما في ظل ما تمر به المنطقة والعالم أجمع من أزمات اقتصادية وسياسية تدعو إلى التركيز على تمتين الاقتصاد الوطني وحمايته من هذه الأزمات.على صعيد ذي صلة قال الديري إن تعريف وزارة الصناعة والتجارة المشار إليه آنفا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا زال صالحا، ويحقق المعايير الدولية، وقال إن البحرين ممثلة في وزارة الصناعة والتجارة كانت من الدول الرائدة في اتخاذ خطوة إيجاد تعريف وطني موحد للمؤسسات الصغيرة المتوسطة منذ العام 2010.] مطالبة بمظلة جامعة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطةلكن الديري أشار إلى أنه لا توجد الآن أية مظلة موحدة تجمع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقال: «لقد أجرينا في جمعيتنا دراسة أظهرت وجود أكثر من 30 جهة حكومية وغير حكومية موجودة من أجل دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وربما يكون هذا الشيء جيد وصحي في جانب لكنه يؤثر سلبا على العمل في كثير من الجوانب»، وأضاف «يجب أن نجلس جمعيا مع بعض ونتقاسم العمل كي لا يحدث هناك تكرار وتعارض كما يحدث الآن».وحول وجود توجه لدى وزارة الصناعة والتجارة لإطلاق «المجلس الأعلى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة» قال الديري إن هذا التوجه جميل، لكن الوقت يمضي ونحن نحتاج أن نرى نتائج على أرض الواقع، وتابع «سابقا كانت هناك لجنة وطنية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تجمع كل الاطراف المعنية وتجتمع مرة كل شهرين أو ثلاثة أشهر وقد حققت الكثير من النتائج»، لافتا إلى أن نسبة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البحرين تصل إلى 99% حسب إحصائيات مجلس التنمية الاقتصادية وهيئة تنظيم سوق العمل وبالتالي فهذا القطاع يعتبر بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الوطني.] حماية التاجر البحرينيمن جانبه قال رجل الأعمال والتاجر في سوق المنامة القديم جميل الصايغ إن الحكومة يجب أن توفر الحماية للتجار البحريني ولا تضعه في منافسة مفتوحة مع الأجانب، وخص بالذكر إتاحة الإمكانية أمام الأجانب لتملك عدد أكبر من الأنشطة التجارية بنسبة مئة بالمئة، مضيفا أن أغلب الامتيازات المقدمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تذهب للأجانب.وقال: «في سوق المنامة القديم هناك أكثر من 7 آلاف مؤسسة صغيرة ومتوسطة أو متناهية الصغر يسيطر عليها آسيويون وسط غياب شبه تام للتاجر البحريني عن هذا السوق»، لكنه أردف أن ما أوصل الأوضاع إلى ما هي عليه الآن هي قيام التاجر البحريني بتأجير سجله التجاري.عند هذه النقطة تحدث السلوم عن قرارات اتخذت خلال العامين الأخيرين من أجل تنظيم سوق العمل وإحداث إصلاح حقيقي في السوق، ومكافحة ظاهرة بيع الفيز وتأجير السجلات، خاصة وأن أكثر من 50% من السجلات البحرينية كانت مؤجرة لأجانب، وقال: «لم تعط عملية الرقابة وفرض الغرامات ومحكافحة ظاهرة العمالة السائبة النتيجة المرجوة طيلة الأعوام السابقة، وذلك سبب قيام المخالفين وتجار الفيز بتطوير أساليب عملهم، بل وجني أرباح أكثر، لذلك وجد الآن نظام العمل المرن الذي يحفظ للعامل والدولة حقوقهم، ويسهم في بناء اقتصاد حقيقي صحي تعمل في إطاره المؤسسات الصغيرة والمتوسطة».وأشار إلى أن الكلام يجري دائما عن وجود أكثر من 80 ألف سجل تجاري في البحرين معظمها مؤسسات صغيرة ومتوسطة، لكن الحقيقة هي أن الفعال من هذا السجلات لا يتجاوز الثلاثين ألفا، والباقي جرى استخراجه فقط من أجل إصدار فيز وبيعها، وبالتالي تضيع على الدولة رسوم هيئة سوق العمل والكهرباء والماء، وتضرر سمعة السوق البحريني بالنسبة للاستثمارات الخارجية.وتابع السلوم في هذا السياق «البرادة أو البقالة هي مؤسسة صغيرة ومتوسطة، لكن ما يحصل هنا غالبا هو أن آسيويا يستأجر السجل من بحريني ويشاركه في الربح، لكن عند حدوث الخسارة يختفي الآسيوي ويترك البحريني أمام مواجهة مطالب الدائنين ودفع أجور العمال المتراكمة وأجار المحل والرسوم وغيرها، وهكذا نرى أن مواطنين بحرينيين محترمين متقاعدين أو سيدات وقد وجدوا أنفسهم غرقوا في الديون وربما دخلوا السجن».ضمن هذه الأجواء لا حل إلا فتح السوق أمام المنافسة.] المنافسة أساس التطوربدوره قال عمار عواجي: «عندما نفكر ونخطط كاقتصاديين يجب ألا يغيب عن بالنا صغر سوق البحرين، وضرورة التصدير، لكن ما زاد الأوضاع سوءا هو اعمتاد السوق على الإنفاق الحكومي، وهو ما أدى إلى التحول نحو الاقتصاد الريعي، كما أن الدعم الحكومي المباشر أو عبر المؤسسات الوطنية المعنية أسفر عن تراخي أصحاب الأعمال، واعتمادهم شبه الكلي على هذا الدعم».وأضاف «عندما نقول حسب رؤية البحرين الاقتصادية أن القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو، يجب علينا التوجه نحو تنويع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على النفط، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي الشكل التجاري الأكثر مناسبة للقيام بهذه المهمة بفضل ما تملكه من مرونة وقدرة على الابتكار والنمو».وأشار إلى أن الأرباح التي تحققها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البحرين ليست أرباحا حقيقية، وإنما تحققت نتيجة لخدمات مدعومة من الحكومة، وهذه الخدمات بدأت الحكومة تسحبها رويدا رويدا، وهذا زاد من معانات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لم تجهز نفسها للعمل في سوق حقيقي.وأكد عواجي أن تمسك البحرين بالاقتصاد الحر وفتح الأسواق يهيئ البيئة المناسبة أمام المنافسة، وشدد على أن هذه المنافسة هي الوحيدة القادرة على دفع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للتطور والنمو بعيدا عن الاتكال على الدعم مهما كان شكله، وقال: «نريد للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة البحرينية أن تكون قادرة بجدارة على الدخول في المناقصات الحكومية، وحتى مناقصات على مستوى الخليج، ولدينا قصص نجاح ليست كثيرة لرواد أعمال بحرينيين يبيعون منتجاتهم الآن حتى في أوربا، وهذه التجارب يجب أن ندرسها وأن نكررها».وعند هذه النقطة قال جميل الصايغ إن التاجر في سوق المنامة القديم لا يطبق معايير التجارة الحديثة، بل إن هناك محلات لا زالت تبيع نفس البضاعة منذ ثلاثين وأربعين سنة كما قال، فيما الآسيويون يعملون ليلا ونهارا على اقتناص كل فرصة تحقق لهم الربح والنمو، وقال: «أنا شاهد عيان لآسيويين يعرضون على التاجر البحريني في سوق البحرين استئجار محله وسجله بمبلغ شهري أكبر مما يحققه هذا التاجر الذي يدير عمله بنفسه».السلوم: إنهاء ظاهرة تأجير السجلات وبيع الفيز يسهم في بناء اقتصاد حقيقيعواجي: أرباح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة غير حقيقية لاعتمادها على الدعم الحكوميالديري: وجود أكثـر من 30 جهة مختلفة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يسبب تضاربًا في العملالصايغ: التاجر البحريني غير قادر على منافسة الآسيوي في سوق المنامة
مشاركة :