المواطن ورجل الأمن والسياسة في السينما المصريةالعلاقة بين رجل الأمن والمواطن في السينما المصرية شهدت الكثير من التطورات، بدأت من صورة مثالية للأول وظهر في شكل الرجل المنضبط في عمله، المثالي الذي يمثل قدوة لجمهوره، إلى أن وصلت إلى تقديم العديد من النماذج الفاسدة لضابط الشرطة.العرب سارة محمد [نُشر في 2017/07/11، العدد: 10688، ص(16)]من المثالية إلى الواقعية القاهرة – في موسم عيد الفطر السينمائي بمصر، تنافس فيلمان حول العلاقة القائمة بين رجل الأمن والمواطن، أحدهما للفنان محمد رمضان بعنوان “جواب اعتقال”، وآخر لزميله أحمد السقا تحت عنوان “هروب اضطراري”، ويناقش كلاهما إشكالية العلاقة الأزلية بين الضابط والمواطن، تحت مضامين مختلفة؛ فالأول يحكي عن علاقة رجل الأمن بالإرهاب، والثاني يدور في عالم الجريمة بمفهومها التقليدي ومحاولة الكشف عن مقتل نجل أحد رجال الأعمال. ويأتي ذلك في مرحلة تالية للنجاح الذي حققه فيلم “مولانا” مطلع العام الجاري، وناقش فيه المخرج والسيناريست مجدي أحمد علي العلاقة بين رجال الدين ورجال الشرطة والمجتمع السياسي، وهي إشكالية معقدة مأخوذة عن رواية تحمل العنوان ذاته للكاتب إبراهيم عيسى، وفيها بدا رجل الأمن كأنه يستطيع تحريك والتحكم في كل شيء بالمجتمع المصري. ويشير الواقع السينمائي إلى أن العلاقة بين الطرفين (رجل الأمن والمواطن) ترتبط بطبيعة النظام السياسي وما تشهده فترة الحكم من تغيرات، وفي كل عصر يقدم هذا النموذج بحسب المزاج السياسي العام. وبعيدا عن طبيعة النظام، لم يرتبط المشاهد بنموذج معين لرجل الشرطة وعلاقته الإنسانية بالمواطن، إلا في نماذج قليلة مثل “زوجة رجل مهم” للفنان الراحل أحمد زكي وميرفت أمين، و”الهروب” لأحمد زكي أيضا وعبدالعزيز مخيون، و”البريء” للفنان الراحل محمود عبدالعزيز.ثورة يناير في مصر أكدت ضرورة وجود شرطة واعية تنبض بالضمير الحي، لا تكون منحازة ضد المواطن العادي أو الخارجين على القانون وفي السنوات الأخيرة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 في مصر، حاولت السينما الاقتراب من نماذج واقعية لرجل الشرطة، وكان أشهر هذه النماذج الضابط “رشدي” الذي قدمه الفنان خالد الصاوي ضمن أحداث الجزء الأول والثاني من فيلم “الجزيرة”، وهو نموذج لجملة من المتناقضات التي تعتمل داخل الكثير من ضباط الشرطة، الشريف والمرتشي والمتحكم في “ترمومتر” الإرهاب والمجني عليه أيضا. ورغم النماذج العديدة التي جرى تقديمها في مجموعة كبيرة من الأفلام، مازال الاقتراب من انتقاد رجل الشرطة مقيدا بفكر المجتمع في المرتبة الأولى، قبل أن يكون محددا بقوانين رقابية أو مراقبة سلطوية، خاصة مع تصاعد أحداث اغتيالات ضباط الشرطة على أرض الواقع، ما يثير عاطفة المواطن تجاه انتقاد الدراما لأي نموذج رجل أمن فاسد. ويرى الناقد الفني رامي عبدالرازق، أنه منذ الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، كانت صورة الضابط تميل إلى المثالية بشكل كبير، فهو الرجل الذي يقدم المساعدة ويتعرض لمشاكل ويضحي بنفسه، وأشهر هذه النماذج ما قدمه الفنان زين العشماوي في فيلم “الخطايا” مع الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، عندما تعاطف معه وقدم له يد المساعدة للخروج من مأزقه الإنساني. مع التطورات وارتفاع سقف الرقابة واختلاف أمزجة المجتمع، بدأت الصورة تتغير، لكن ظلت الرقابة تشترط وجود ضابط شريف بالتوازي مع الفاسد، وكان من المفضل أن يقبض الشريف على الفاسد في نهاية الأحداث لتكون الصورة مرضية لأجهزة الأمن التي احترفت الرقابة بطريقتها على الأعمال الفنية. وقال عبدالرازق لـ”العرب” “الصورة لم تختلف كثيرا بعد ثورة يناير، فكل ضابط يبدو فاسدا يتعرض لهجوم من قبل المجتمع، وهو ما يعود إلى الطريقة الدرامية التي يريدها المشاهد”. وأضاف أن وجود نموذج رجل الأمن في أفلام عيد الفطر مرتبط بأغراض تجارية، وليس بالضرورة له علاقة بتوظيفها نفسيا واجتماعيا وسياسيا، لأن الشرطي عنصر من عناصر الأكشن المفضلة لدى قطاع من المشاهدين، حيث السلاح والمطاردات والانفجارات.رامي عبدالرازق: الشرطي في السينما يمثل عنصرا من عناصر الأكشن المفضلة لدى المشاهدين وفي مثل هذه النوعية من الأفلام من النادر أن تجد حبكة سينمائية قوية، لأنها تهدف إلى الربح التجاري بالأساس، علاوة على أن صناع هذه الأعمال لا يريدون الدخول في إشكاليات، لأنهم يتجنبون دائما الصدام مع الجهات الرقابية، كما أن صناع السينما ليسوا مهتمين بالقدر الكافي بالميول السياسية العميقة التي تعيد إنتاج مثل هذه الشخصيات في سياقات مختلفة، أو بمعنى أدق لا يوجد الكاتب الذي يتحمل مسؤولية الهموم الاجتماعية ويعبر عنها بصدق، وإن وجد فهو يخشى العواقب الأمنية. وبدوره أوضح الناقد كمال رمزي لـ”العرب” أن علاقة رجل الأمن بالمواطن لم تكن محط أنظار السينما المصرية فقط، بل العالمية أيضا، وتجلت في أشهر نماذجها فيلم “البؤساء” عن رواية الأديب الفرنسي الراحل فيكتور هوغو، وتم تقديمها في السينما المصرية، واصفا العلاقة بالمغرية لكتاب السيناريو. يذكر أنه في مصر كانت هناك بنود في قانون الرقابة تنص على تقديم رجل الشرطة في صورة مثالية، ثم ألغيت عام 1954. وأشار رمزي إلى أن السينما المصرية في السنوات الأخيرة شهدت تطورا ملحوظا، وتم تقديم صور لضباط القلم السياسي، حتى وإن تمت مناقشتها في فترات زمنية سابقة، لكن مع زيادة الانتقادات لهذه النماذج أُضيفت شخصية رجل الشرطة الجنائي. ونوه كمال رمزي إلى أن ثورة يناير في مصر أكدت ضرورة وجود شرطة واعية تنبض بالضمير الحي، لا تكون منحازة ضد المواطن العادي أو الخارجين على القانون، ومن هنا بدأ يحدث قدر من النضج الفني في العلاقة بين الأمن والمواطن، وهو ما يمكن رصده في صيغ سينمائية مختلفة تتسم بدرجة عالية من الجرأة لم تكن معهودة.
مشاركة :