"الأصليين" فيلم مصري يغرق المشاهدين في دوامة الفلسفة بقلم: سارة محمد

  • 8/1/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الأصليين فيلم مصري يغرق المشاهدين في دوامة الفلسفة "الأصليون".. من هم؟ سؤال سيبقى عالقًا بذاكرة المشاهد ويثير شغفه وفضوله طوال مدة مشاهدته للفيلم المصري الذي يحمل نفس العنوان "الأصليين"، الذي طرح مؤخرا بدور العرض المصرية في منافسة مع أفلام موسم عيد الفطر التي تنوعت بين الكوميدي والأكشن.العرب سارة محمد [نُشر في 2017/08/01، العدد: 10709، ص(16)]رسائل مشفرة بين بطلي الفيلم القاهرة – في فيلم "الأصليين" يفتح الكاتب المصري أحمد مراد، وهو روائي شاب حققت أعماله أعلى المبيعات وتُعد هذه هي تجربته الأولى في كتابة السيناريو، باب التحاور مع العقل، ويفند الأفكار الحاضرة الجاهزة، ويقوم بمراجعة التاريخ بحقائقه المسلم بها، كما يستعرض المستقبل في شكل غير تقليدي وسط ثورة التكنولوجيا التي يغرق العالم كله فيها الآن. وسمير عليوة الذي يلعب دوره الفنان ماجد الكدواني، موظف ملتزم بأحد البنوك يفاجأ بإنهاء خدمته تعسفيا دون إبداء أي أسباب محددة، فيدخل في مرحلة من التأزم النفسي، خاصة وأنه كان مخلصا جدا في عمله وفي خدمته للبنك التي استمرت 15 عاما، ووسط أزمته وهمومه يسمع طرقا على باب منزله وعندما يفتح يجد أن الطارق جهاز "موبايل" ليس له صاحب، وعند فتح الهاتف المحمول والتفتيش فيه يكتشف عليوة عالمه الداخلي المحمل بصوره وفيديوهاته منذ الطفولة، مرورا بمراحل دراسته الجامعية وزواجه. اختراق ودهشة هنا تبدأ الدهشة تسيطر على البطل الذي يشعر بأنه مخترق إلى أبعد مما يتصوره عقله من خلال المشاهد التي وصلت إلى حد وجوده مع زوجته بغرفتهما، وبعد قليل يتلقى اتصالا هاتفيا من أحد من هؤلاء “الأصليين”، يلعب دوره الفنان خالد الصاوي، واسمه رشدي أباظة. لا علاقة لرشدي أباظة هذا بالممثل المصري الراحل الذي حمل نفس الاسم، بل هو شخصية غامضة تبدأ معها حالة التحاور العقلي مع المشاهد، والرجل الذي أدى دوره باقتدار خالد الصاوي بحرفيته المعهودة، هو رجل بدا على ملامحه انتماؤه إلى ستينات القرن الماضي، كما وشت بهذا هيئة ملابسه وتسريحة شعره الكلاسيكية واستخدامه للدراجة تارة وللسيارة التي تنتمي إلى موديلات ذلك العهد تارة أخرى. الغموض وعدم الترابط بين الأفكار بسلاسة جعلا الفيلم يفشل في وضع المتفرج أمام هدف محدد، وهو ما جعل أفكاره غامضة الأسئلة تبدأ منذ اللحظة التي يعرض فيها الصاوي "رشدي" العمل على الكدواني "سمير" المتقاعد، بعد أن يغريه بالمال الذي سيحل له الكثير من أزماته المالية، خصوصا مع حالة الإنفاق المبالغ فيها لدى أسرته التي لا رابط بينها، بسبب أن كل واحد فيها منشغل بجهازه المحمول حتى وهم جالسون معا داخل غرفة واحدة. الكاتب أحمد مراد أراد في فيلمه تقديم قراءة متأنية لحياة شخص تتشابه تفاصيل حياته مع الكثيرين منّا، واستعرض العديد من الأفكار والأطروحات التي تبدأ من مشهد البداية، ويظهر البطل سمير داخل أحد المراكز التجارية العملاقة "الهايبر ماركت" الكبرى محملا بالكثير من المشتريات في إشارة غير مباشرة إلى فكرة هوس الشراء التي باتت مسيطرة على الشخصية المصرية بالرغم من أن أغلب ما يتم شراؤه لا يتم استخدامه، وهو ما تؤكده زوجة البطل “ماهيتاب” التي تلعب دورها الفنانة السورية كنده علوش، حين تصر على طلب البيتزا يوميا للعشاء. في شخصية سمير يتقارب البطل مع الكثير من النماذج المجتمعية التي طالما عاشت في عباءة أسرتها، سواء على مستوى زواج تفرضه الأم عليه، أو على مستوى ممارسة الرياضة التي ورثها سمير عن أبيه، ويظهر ذلك في عدة مشاهد أهمها تناوله الطعام مع والدته ويعاتبها على تزويجه من هذه الزوجة، وأيضا في مشهد الحلم الذي يتكرّر بين الحين والآخر ويتخيل فيه نفسه كمطرب بأحد برامج اكتشاف المواهب الغنائية. ضعف الشخصية الواضح لدى سمير يؤهله لقبول الوظيفة التي يعرضها عليه رشدي، أي مراقبة عدد من المواطنين داخل غرفة مغلقة بإحدى شركات الاتصال الكبرى تحتوي على أجهزة بصمة اليد وكاميرات مراقبة لأي رقم هاتف يدخله على الشاشة، ثم يصبح سمير مهتما بشخصية ثريا جلال التي درست الحضارة المصرية وحفظت نصوصها القديمة، كل ذلك مع إيهامه بأنه شخص وطني، ويمثل روح الوطن، وهو الوصف الذي يستخدمه رشدي طوال الأحداث. إلى هنا يضع المؤلفُ المتفرجَ في دوامة من الأفكار والتفاصيل المثيرة، قبل أن ينتقل في الجزء الثاني إلى أحداث متداخلة مرتبكة إلى حد كبير بالرغم من الثراء والعمق الذي منحه للعمل، وتجلى الارتباك في المشاهد الروحانية التي تم وضعها دون تفسير واضح أو مباشر لها، فتارة يصطحب رشدي بطله إلى مسجد تقام فيه جلسة للإنشاد الصوفي ويجبره على ارتداء العباءة والتحرك بجسمه نحو اليمين ونحو اليسار كما يفعلون، ثم في مشهد آخر يصحبه إلى داخل أحد التجمعات القبطية التي يقوم فيها رشدي بمعاقبة البطل بلصق وشم كلمة "بهية" على كتفه لمجرد مخالفته لإحدى القواعد المتفق عليها بينهما. بعد ذلك يطرق المؤلف بابا آخر ربما أراد منه تناول فكرة تسليمنا بالموروث باعتباره عقيدة مسلما بها، ويظهر ذلك في سرده لقصة “ياسين وبهية” الشعبية على أنها رمز للحب والنقاء، وهنا يكشف رشدي جهل سمير، فهو رغم امتلاكه أرشيفا ضخما من الجرائد القديمة التي تحتوي إحداها على قصة بهية إلاّ أنه مع ذلك لا يعرف عنها شيئا.المؤلف يفتح في الفيلم باب التحاور مع العقل، ويفند الأفكار الحاضرة الجاهزة، ويقوم بمراجعة التاريخ بحقائقه المسلم بها العودة إلى الطبيعة المؤلف يشير بطريقة غير مباشرة إلى حالة الجهل العام المنتشرة لدى الأغلبية العظمى التي اكتفت باستقاء معلوماتها من شبكة الإنترنت دون الرجوع إلوثائق والكتب حتى. ثريا جلال، التي أدت دورها مِنّة شلبي، تعلق البطل بها بعد مراقبتها وحضوره لمحاضرتين لها سردت فيهما تاريخ الحضارة الفرعونية القديمة، وهي منذ ظهورها إلى نهاية الفيلم لا توجد إشارة واضحة إلى الرسالة التي يريد المؤلف طرحها من خلالها، ويبقى المشاهد لأكثر من نصف الأحداث معتقدا أن ثريا عميلة وخائنة وجاسوسة على الوطن، لكنه يكتشف في الدقائق الأخيرة أنها ليست كذلك. سمير عليوة يجد نفسه في النهاية في أرض الواحات التي ورثها عن أبيه بعد أن يكون قد تخلص من قبضة “الأصليين”، وألقى بهاتفه في الصحراء وراح ينشئ قرية سياحية تحمل اسم “اللوتس الأزرق” بعد إعجابه بالبحث الذي أجرته ثريا وأكدت فيه أن المصري القديم كان يتحلى بالمحبة والحيوية، وكأن الكاتب أراد هنا أن يطرح أن الحل هو الهروب من تكنولوجيا الحاضر والعودة إلى الطبيعة والحياة البدائية، وهو ما توفر في القرية السياحية الخالية تماما من التكنولوجيا. رغم هذا الطرح الفلسفي المكثف لم يجب الفيلم عن السؤال الأساسي: من هم الأصليون؟ وعما إذا كان هذا الاسم هو مجرد إشارة إلى مستقبل قد يكون العالم فيه يراقب بعضه بعضا، أم أنهم أشخاص يعملون لصالح شبكات تجسّس معينة؟ الغموض وعدم الترابط بين الأفكار بسلاسة جعلا الفيلم يفشل في وضع المتفرج أمام هدف محدد، وهو ما جعل أفكاره غامضة، أما المخرج مروان حامد فهو مميز بين أبناء جيله، وأوجد لنفسه مدرسة حرفية خاصة به في سن صغيرة وضع فيها بصمته التي تتسم بالعناية بأدق التفاصيل، وبقي محافظا على كادراته المفعمة بالطاقة والتفاعل لدى المشاهد الذي يتحاور معه بلغة الكاميرا. ويبقى أن خالد الصاوي وماجد الكدواني ممثلان استثنائيان بين نجوم جيلهما، ولهما حضور خاص ومدرستان في الأداء تتطوّران من عمل إلى آخر، لذلك فهما دائما على رأس الاختيار لأداء الأدوار العميقة والفلسفية البعيدة عن المألوف.

مشاركة :