تقطع عائشة (63 عاماً) أكثر من عشرة كيلومترات مشياً يومياً، من منزلها في حي المبزر القديم في الأحساء لكي تصل للسوق الشعبي في مدينة الهفوف (الإحساء) حيث تبيع سلالاً يدوية صنعتها من سعف النخيل. تجدها دائماً في مكانها، بجانب صديقتها وزميلتها في البيع منيرة، حتى في أيام الصيف التي تصل فيها درجات الحرارة إلى 55. "لو غبت يوماً، سأجوع وسيجوع أحفادي معي"، تقول لرصيف22. ثمة اعتقاد سائد لدى من لا يعرف السعودية ومن لم يزرها، أن جميع المواطنين فيها أثرياء، وأن النساء في المنزل لا يعملن ولا يبحثن عن عمل. عائشة إثبات يدحض هذه الفرضية. وهي ليست حالة عارضة فعلى الرغم من أن السعودية تقبع في مرتبة متدنية جداً (134 من أصل 145 دولة) في مؤشر المشاركة الاقتصادية للمرأة بحسب منتدى الاقتصاد العالمي، إلا أن هناك اليوم 739ألف سيدة سعودية تبحث عن عمل. كما أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة الملك خالد السعودية عنوانها "تحديد حد الفقر وحد الكفاية" أن الفقر في السعودية مؤنث، ما يعني "أن ظاهرة انتشاره بين النساء أكثر من انتشاره بين الرجال". فما هو حال النساء مع الفقر والعمل والبطالة في السعودية؟البطالة النسائية أظهر التقرير الرسمي لهيئة الإحصاء والمعلومات، الذي صدر حديثاً ليغطي الربع الأخير من عام 2016، أن النساء السعوديات يعانين من ارتفاع في معدلات البطالة، أكثر بكثير مما يعانيه الذكور. كما أن مرتباتهن في القطاع الخاص تحديداً، أقل مما يحصل عليه الرجال، وتُجبر الكثير منهن على القبول بوظائف لا تتناسب مع تحصيلهن العلمي وقدراتهن. فبحسب التقرير، فإن هناك أكثر من 739ألف سيدة سعودية تبحث عن عمل، مقابل حوالى 177ألف سعودي. وتبلغ نسبة البطالة بين السعوديات نحو 34.5% مقابل 5.9% للذكور، بحسب التقرير، وهو فرق شاسع بين الجنسين. وارتفعت هذه النسبة عن الأشهر الثلاثة السابقة بنحو 0.8%. تسببت هذه الأرقام بهبوط مشاركة المرأة السعودية في الاقتصاد السعودي لنسبة 19.3% فقط، مقارنة بـ64.6% للذكور.لماذا النساء؟ أسباب وعوامل كثيرة تجعل النساء عرضة للبطالة، بعضها اجتماعي وبعضها عملي. أحدها، ندرة الفرص في بعض المجالات التي يسيطر عليها الرجال كالإعلام. ما دفع الكثير من السعوديات للعمل في الخارج. وهو ما حصل مع الإعلامية سكينة المشيخص، التي اضطرت للسفر إلى دبي للعمل في قناة الحرة مقدمةً لبرنامج سياسي أسبوعي.أقوال جاهزة شاركغردثريات وعاطلات عن العمل؟ ألم يحن وقت تغيير الصورة النمطية عن النساء السعوديات؟ شاركغردأسباب كثيرة تجعل النساء عرضة للبطالة أحدها، ندرة الفرص في بعض المجالات التي يسيطر عليها الرجال كالإعلام تؤكد المشيخص لرصيف22 أنها فضلت السفر لدبي لأنها وجدت فيها فرصة مثالية للعمل بعد أن عجزت عن إيجاد فرصة مشابهة في السعودية، في الوقت الذي يطل على الشاشات الكثير من الإعلاميين في السعودية. وتضيف :"سوق العمل في السعودية غير مستقرة بالنسبة للنساء، فلا توجد وظائف كافية. ولسنوات طويلة كانت مجالات عمل المرأة محصورة بين المجال الطبي والتدريس، ولأن المجال الطبي كان يجد معارضة كبيرة من الأهل بسبب الاختلاط فيه، كان الانجراف الأكبر صوب التعليم الذي بات مكتفياً بالكامل. فكان من الطبيعي أن ترتفع نسبة البطالة بين النساء"، وتضيف :"حتى مجالات العمل في الأسواق تواجه هي الأخرى برفض عائلي، فالسوق كانت مشوهة منذ سنوات طويلة، وما يحدث حالياً هو ناتج طبيعي لذلك". تقول الناشطة الحقوقية الدكتورة عزيزة اليوسف لرصيف22: "للأسف نحن مجتمع ذكوري، فهناك تفاوت بين النساء والرجال في التوظيف لعدة أسباب، أهمها مشكلة المواصلات التي تجبر المرأة على دفع أكثر من 3000 ريال شهرياً للوصول للعمل، في وقت لا يتجاوز فيه راتبها الخمسة آلاف". برأيها، فإن هذا ما دفع الكثير من النساء لرفض العمل. الأمر الآخر هو اشتراط كثير من شركات القطاع الخاص موافقة ولي الأمر على التعيين، على الرغم من إلغاء وزارة العمل الفقرة القانونية التي تشترط موافقته، إلا أن أرباب العمل يقومون بذلك خوفاً من أن يطلب ولي الأمر "فصلها من العمل لأن بيئة العمل لم تعجبه"، بحسب اليوسف. وتضيف :"لا توجد وظائف في القطاع الخاص، وأغلب الشركات تضع عبارة (للرجال) في إعلانات الوظائف الخاصة بها، مع أن هذا الأمر يجب أن لا يحدث".مرتبات الرجال أكثر من النساء لا تقتصر الأرقام على عدد العاملين والعاملات. فبحسب دراسة قامت بها مؤسسة الملك خالد الخيرية هذا العام وحصل رصيف22 على نسخة منها، هناك فجوة كبيرة بين متوسط أجور النساء والرجال في القطاع الخاص السعودي، بمقدار ثلاث مرات خلال عامين فقط. وأكدت الدراسة أن الفرق في الأجور بين الجنسين "وصلت خلال عام 2015 إلى2101 ريال، إذ بلغ معدل أجور العاملات3470 ريالاً، مقارنة بـ 5571 ريالاً للعاملين". أجبرت أرقام البطالة المتزايدة بين النساء، نحو 450 ألفاً منهن للعمل في مهن لا تتناسب مع مؤهلاتهن الجامعية، مثل البيع عند صندوق المجمعات التجارية، أو مدرسات في القطاع الأهلى برواتب متدنية، أو بائعات في محلات المستلزمات النسائية، أو في صيانة أجهزة الهواتف المحمولة. ومع أن الباحثين في مؤسسة الملك خالد الخيرية أرجعوا سبب قبول النساء ببعض الوظائف المتدنية الأجور وغير المنصفة لكفاءتهن، إلى غياب الوعي القانوني لديهن حول الحقوق والواجبات التي يكفلها النظام ويتغاضى عن تقديمها أصحاب العمل. إلا أن اليوسف تحمل المسؤولية في ذلك للجهات الرسمية التي تصمت أمام تفرقة الشركات بين الرجال والنساء. وبرأيها، فإن وزارة العمل مطالبة بالتدخل لمنع مثل هذه الاشتراطات، ولتلزم الشركات بدفع رواتب متماثلة للرجال والنساء. وتقول: "يفرق القطاع الخاص بين الرجال والنساء في الرواتب، بحجة أن المرأة تأخذ إجازات وضع وولادة، وفي تصوري فإن هذا أمر معيب ويجب أن لا يحدث، وهذا سبب في ارتفاع معدل الفقر بين النساء".الفقر المؤنث ذكرت دراسة مؤسسة الملك خالد أن الفقر ينتشر أكثر بين النساء في العالم بشكل عام، وفي السعودية بشكل خاص. لأن خروج المرأة من دائرة الفقر أكثر صعوبة من الرجال لأسباب متعددة، أحدها ندرة فرص العمل.ووهو ما يحصل في السعودية. ومع أن وزارة الشؤون الاجتماعية تصرف للنساء رواتب شهرية، فإن هذه الرواتب لا تكفي. وتؤكد دراسة مؤسسة الملك خالد الخيرية أن 51.2 من السعوديات لامسن خط الفقر، و35% منهم أرامل، ولا يزيد دخل 70% منهن عن 1500 ريال شهرياً.اقرأ أيضاًبعد أكثر من 6 أشهر على "سعوديات نطالب بنزع الولاية"... هل من جديد؟ترخيص أندية رياضية للنساء في السعودية. مهلاً... أليست الأندية موجودة أصلاً؟كيف يؤثر الأمر السامي للملك سلمان على المرأة السعودية؟"ممنوع ومسموح في السعودية"... قائمة عليكم معرفتها قبل زيارتها خالد الشايع محرر وصحافي سعودي. كلمات مفتاحية السعودية التعليقات
مشاركة :