مهاب نصر | أين يضع الشاعر قدمه الآن وهو على عتبة تاريخ فاجع للتحولات؛ أوطان تزول وأخرى تلتهب بالتعصب وثالثة لم يعد بإمكان الفرد أن يتماهى معها. هل يستعيد التاريخ مسقطا إياه على الحاضر؟ هل يلجأ إلى شعوره الفرد؟ ما يختاره الشاعر البحريني قاسم حداد أن يدمج السيرة الفردة بتاريخ آخر للتفرد والبحث، للقلق الوجودي والصراع في مواجهة الجماعة، المقدس يصبح قادرا للظهور في الإنسان الشاعر معمدا بلهب الكلمة. هكذا جاء صوت حداد في الأمسية التي افتتح بها الملتقى الثقافي «ميوز لاونج» أولى فعالياته التي شهدها حضور كبير من جمهور الشعر والأدب. قدم للأمسية الشاعر مسفر الدوسري، وألقى حداد أشعاره على أنغام العود بمصاحبة العازف أحمد الراشد، وعلى هامش الأمسية كان ثمة معرض تشكيلي من أعمال طفول حداد. التتويج بالجمال في كلمتها مقدمة لاحتفال «ملتقى أمسيات» بفعاليته الأولى، قالت خديجة الشمري ان الملتقى حرص على البداية بما «يتوج بالجمال، وهو ما دفع أعضاءه للتفكير في إطلالة مختلفة ومغايرة، لذا كان علينا أن نختار ما هو مختلف ومتفرد. إذا فلا خيار أجمل من أن يكون قاسم حداد بيننا». مكان آمن للحب قدم للأمسية الشاعر مسفر الدوسري بكلمة عن «الشعر» وعالمه المغوي المتفرد، ومعاناته ومكابداته، قائلا عن حداد «لم نعرف مكانا آمنا للحب حتى أتانا هذا القاسم حافي القدم يمشي بصوفية عاشق لا تشبه صوفية العشاق الآخرين الذين لا يرون طريقا للاتحاد بحبهم سوى الموت». حداد قرأ مجموعة من قصائده «زهرة العنفوان»، و«نظام الكلام»، و«نهاية الأرب» و«ما البحرين»، حيث تقف أمام ميلاد مشترك للقصيدة والشاعر، للإنسان والأرض. يستعيد حداد مفردات التاريخ، بيئة الصحراء والبحر، مناخ النبوءة، فيما يشبه ميلاد أسطورة تتجاوز الزمن ولا تسقط فيه، حيث الكلمات مفتوحة على التأويل «سألته: وما البحرين؟ قال: إذا كنت تقصد البحرين عندنا، فهي التي إن بدأت في رأس عمان فلن تنتهي عند نهر البصرة، وأن كل ما بينهما فضاء مزيج بين الوقت والمكان/وسوف يشمل أقاليم ساحل البحر وداخل الجبل. ويطال هجر والإحساء جميعها/ غير أن هذا كله لم يكن ليعني شيئا عندما نهم نزوحا عن مكان أو نسعى رحيلا إلى مكان». أيها الفحم يا سيدي عقب الأمسية كان للجمهور موعد في حوار مع الشاعر، إذ دعاه الروائي إسماعيل فهد إسماعيل للحديث عن كتابه حول الفنان «فان غوخ»، حيث بسط حداد رحلته معه منذ اطلاعه على ملف خاص به في مجلة الهلال المصرية، ثم استئناف هذه الرحلة في الثمانينات حيث أعاد قراءته واكتشافه. رأى حداد في تجربة فان غوخ غير العادي إنسانيا، فقد بدأ الرسم بعد الثلاثين، ومات في عمر 37 سنة، وكل منجزاته الفنية ولوحاته أنجزت في 7 سنوات. كما تحدث حداد عن رسائل فان غوخ التي اعتبرت ذات قيمة عالية لما تضمنته من تجربة إنسانية فريدة. واستكمالا للحديث عن تجربته مع كتاب «أيها الفحم يا سيدي» حول رحلة وحياة فان غوخ قال حداد إنه وجد نفسه مدفوعا لقراءة المشهد السياسي والثقافي في أوروبا، واكتشاف ثورات الربيع الأوروبي، معتبرا أن تجربته في نص «أيها الفحم يا سيدي» هي تحية شعرية لفنان تشكيلي. يرى حداد في سير تناولها شعرا وكتابة مثل طرفة بن العبد ومجنون ليلى وفان غوخ أنه وجدها خارج الزمن والوقت والمكان، قادرة على التواصل معه متجاوزة حدودها، ومثرية تجربته الشعرية والجمالية. المواطنة والوطنية فتح سؤال أحد الحضور حول «المواطنة والوطنية»، وما إذا كانا الآن يمثلان نوعا من التعصب العرقي في صورة جديدة، الباب حول حاضر المنطقة العربية وما تموج به من أحداث، واعتبر حداد السؤال مهما خصوصا في هذه الفترة، حيث يجب أن نكون مستعدين لإعادة النظر في مفاهيمنا، «وتصويب أشياء كثيرة تلقيناها بخلل كبير من ضمنها مفهوم المواطنة، الهوية، والقومية، وهذه المصطلحات التي نتداولها في الثقافة العربية بتداول آلي كأن الزمن والمتغيرات في حياتنا لا تمس هذه المصطلحات وتتحول في التفكير العربي والشرقي إلى معتقدات دينية لأن التفكير العربي أو الشرقي يتعامل مع الأشياء بطريقة مقدسة، وتكاد مسألة إعادة النظر في مصطلح متداول بمنزلة خدش للمعتقد الديني، لافتا الى أنه بحد ذاته مشكلة. وأضاف حداد «نحن الآن في السنوات الأخيرة بعد تعرضنا وتخبطنا في الطائفية والتعصب الفج نكاد نقع الآن في الفاشية. واضاف حداد الأنظمة تختلف وتتصالح، والشعوب قد تقع في تفكير فاشي». وتابع حداد «أقترح دائما أن نكون مستعدين لإعادة النظر المستمر والنقدي لكل المفاهيم التي يجري تداولها، والتي يجري تطبيقها علينا ودفعنا لها». وانتقد حداد استجابة بعض الشعوب للشحن الإعلامي، الذي يدفعها لموقف عنصري ضد شعوب أخرى. وختم بقوله إننا يجب أن نرفض القوالب التي نوضع فيها وأن لا أحد مؤهل أن يعطي دروسا وطنية لآخرين، «يجب أن نحرر هذه العقليات». ● جانب من الحضور توقيع شهدت الأمسية أيضا حفل توقيع كتاب «مثل وردة تقلد عطرا» وهو الكتاب الثالث من «الشذرات»، حيث كان الأول «الغزالة يوم الأحد»، والكتاب الثاني كان بعنوان «سماء عليلة». حول هذه التجربة يقول حداد إنها كلمات وجمل مكثفة قصيرة، حاول فيها التعبير عن رؤى أو انطباعات فنية، وإنسانية، وفلسفية، مكثفة وفي كلمات قصيرة، وهي تشبع عند الشاعر، برأيه، الجانب الذي لا تحققه القصائد الطويلة. نسخة حصرية وكانت الرئيسة التنفيذية للشركة المؤسسة لمقهى ميوزلاونج مها الحساوي قد أشارت إلى أن الأمسية «طرفة بن الوردة» هي أولى ثمرات التعاون مع ملتقى أمسيات الثقافي، لافتة إلى أن ذلك التعاون سيثمر عن إقامة ندوات وأنشطة الملتقى الفنية والأدبية والموسيقية الأسبوعية في المقهى. وكشفت أن مكتبة «ميوزلاونج» تحتوي العديد من الكتب والإصدارات المتنوعة، ومن ضمنها النسخة الحصرية من الكتاب الأخير لقاسم حداد «مثل وردة تقلد عطرا». وكانت الفنانة مي السعد قد أهدت إلى حداد لوحة تشكيلية تمثل بورتريه شخصي له. ● مي السعد تهدي بورتريه شخصيا للشاعر قاسم حداد
مشاركة :