ترى أوساط اقتصادية عراقية ان هناك استحقاقات كبيرة فرضها تحرير مدينة الموصل من إرهاب «داعش»، مقرونة بتحديات تتطلب استيعاب الصدمات التي افرزها احتلال المدينة من قبل الإرهاب على الواقع العراقي، بخاصة على مستوى الأوضاع الاقتصادية والمالية. وأشارت الى ان تحسن أسعار النفط العالمية نسبياً يعزز الآمال في تخفيف الضغط على الإنفاق لإعادة بناء مدينة الموصل وتجاوز المصاعب التي تواجهها من اجل الاستقرار النقدي والمالي للبلد. ويجد الخبراء ان الشروع في عمليات إعمار واسعة في الموصل ومدن أخرى كانت خاضعة للارهاب، يعني ان هناك حجم عمل كبيراً ينتظر العراقيين ليكون الانتصار الاقتصادي متمماً للانتصار العسكري الذي تحقق في الموصل، كما ان الخبراء والأوساط المعنية يعولون كثيراً على مؤتمر المانحين الدولي المنتظر انعقاده في وقت قريب في الكويت لإقرار سبل الدعم المالي واللوجستي، من خلال دخول شركات الدول المانحة ورغبتها في الاستثمار داخل المناطق المحررة وإرسال المتخصصين الدوليين لدعم جهود الحكومة العراقية. ويشدد الخبير الاقتصادي والمالي عصام المحاويلي في تصريح الى «الحياة»، على ان القطاع الحكومي، «على رغم انه سيتولى الإشراف على عملية إعادة الإعمار، يحتاج مستلزمات فنية وإدارية كبيــرة للقيام بهذه المهمة الصعبة قد لا تتوافر له على نحو جيد. كذلك القطاع الخاص الذي أجده ليس مؤهلاً لهذه المهمة بسبب ضعف امكاناته التقنية وسوء ادارته. لذلك أجد في الشركات العالمية مدعومة من حكوماتها لتدخل الى سوق اعادة الإعمار التي اصبحت فرصة لتشارك شــركات عراقية عامة وخاصة في تنفيذ برامج مهمة وتبني آليات مشددة في أسلوب اختيار الشركات المساهمة في المهمة» لمنع اي فساد مالي وإداري قد ينتاب عمل هذه الشركات». وأضاف ان عملية اعادة الإعمار تحتاج شفافية عالية وحرصاً على متابعة عملها لإبعاد اية شبهات عنها، مؤكداً حاجة العراق الى ان تشارك دول العالم كلها في العملية نظراً الى حجم الأموال التي تحتاجها والتي تقدر بـ250 بليون دولار، باعتبار ان العراق كان ضحية ارهاب «داعش» الذي هو ارهاب دولي بشهادة العالم كله. الخبير الاقتصادي الدولي عبد العزيز الخضيري اشار الى ان الفرص مواتية لتطوير واقع الاقتصاد في المدن المحررة ومنها الموصل، من خلال احياء المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وهذا امر في غاية الأهمية اذ تحتاج جهود البناء والإعمار منتجات مختلفة توفرها قطاعات مساندة بالعمليات من مواد انشائية مختلفة، اضافة الى مشاريع زراعية داعمة لحاجة الأسواق في تلك المناطق، لافتاً الى ان هذه المشاريع بطبيعتها تعمل على تشغيل الأيدي العاملة كما انها تتصف بالديمومة ويمكن تطورها في شكل متواصل لتصبح مشاريع ذات قدرات انتاجية كبيرة. وأشار الى ان عمليات الإعمار تستوعب جهوداً محلية ودولية كبيرة وبذلك لابد ان تكون هذه العمليات على درجة عالية من التنظيم بين مؤسساتنا المحلية والدولية الداعمة لهذه التوجهات، لافتاً الى أهمية ان يكون هناك تواصل بين العراق والشركات العالمية الكبرى المتخصصة التي تمتلك التكنولوجيا المتطورة ورؤوس الأموال، وتوظيفها لخدمة الاقتصاد العراقي وتغيير شكل الاقتصاد ببناء جسور تعاون مع أكبر الكتل الاقتصادية حول العالم، لأن البلد غني ويملك كل مقومات خلق اقتصاد فاعل على مستوى العالم. ولفت الخبير الاقتصادي حيدر كاظم البغدادي الى ان العراق امام مرحلة جديدة ليكون اكثر ثباتاً، مؤكداً ان «المساهمة في اعادة البناء والإعمار ستكون واسعة وتحتاج الى مشاركة كبيرة محلياً ودولياً. وهنا لابد ان تكون لدينا ادارة مالية بمستوى الطموح»، داعياً الى ان يكون الجهاز المصرفي بمستوى المسؤولية وأن يقدم منتجات متطورة تتناسب وحجم العمل. وأشار الى ان الأرقام التي تتطلبها العمليات كبيرة ولابد ان يكون لدينا جهاز مصرفي وخبرات قادرة على التعامل مع هذه الأرقام، موضحاً ان بعض المصارف الخاصة اصبحت تتبنى برامج يمكن ان تساند الجهود الكبيرة للبناء والإعمار بمنتجاتها المتطورة. ويؤكد الخبير المالي فائق ناصر حسين ان متطلبات العمل ستعيد إحياء معامل المواد الإنشائية المتوقفة بسبب الإرهاب والمنتشرة في غالبية مناطق غرب العراق، وهذا سوف يقترن بتفعيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة اذ سيكون الطلب كبيراً على منتجاتها، ما يحتم على صانع القرار إنشاء قاعدة بيانات بهذه المشاريع ومتابعتها وتقويتها. وشدد على ضرورة خلق تفاهم على درجة عالية بين المؤسسات العامة والقطاع الخاص لتكون الجهود مكملة لبعضها وتخلق بيئة مثالية تساهم في إتمام عمليات البناء والإعمار وفقاً لأفضل المواصفات العالمية وبالفترات الزمنية المحددة، بعيداً من كل أشكال التحديات التي قد ترافق هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق.
مشاركة :