صحافي اليوم يواجه تحديا كبيرا في مجال التحرير الصحافي الرقمي، وهو تحد مركب لا يرتبط فقط بمهاراته الصحافية كما كان سابقا، وإنما يرتبط بثقافته الإلكترونية.العرب د. ياس خضير البياتي [نُشر في 2017/07/13، العدد: 10690، ص(18)] نتج عن التحول إلى نظام التحرير الإلكتروني المعتمد على شبكات محلية داخل الصحف، تعديل العلاقة بين المحررين بالصحيفة والكتاب من خارجها من ناحية ومراسليها من ناحية أخرى. فأصبح المحررون اليوم يستخدمون الأدوات التكنولوجية الحديثة في التعامل مع الكتاب ويطالبونهم بالإلمام بالطرق المختلفة للتعامل مع هذه التكنولوجيا الجديدة. لا يقوم الصحافي في الصحيفة الإلكترونية بمهام محددة متخصصة، ولكنه يقوم بعدد من المهام المتداخلة. فهو يعدّ التقرير ويجهّز التطبيقات المستخدمة في الموقع، ويتابع تعليقات الجمهور، ويجمع قاعدة من البيانات خاصة بالجمهور المستخدم. وهو معنيّ بإثراء المحتوى بالوصلات الخارجية، والتأكد من عدم احتواء هذه الوصلات مواد تسيء إلى الموقع والجمهور المستخدم، وهذا الضغط الكبير في المهام وغياب التخصص يؤديان إلى الوقوع في الأخطاء التي تتعلق بالدقة والموضوعية وإلى خلق المشاكل العديدة. لقد أصبحت المؤسسات الإعلامية تبحث اليوم عن الصحافي المتعدد المهام، وهو الذي يقوم بأكثر من دور ما بين التصوير والتحرير والتدقيق والمونتاج وإدارة حساب المؤسسة على شبكات التواصل الاجتماعي، والمراسلة وتغطية الأخبار بكافة أنواعها، والكتابة بكل فنونها. ومن بين تلك المهارات: أن يمتاز الصحافي بأسلوب مميز بالكتابة ولغة عربية سليمة، والتمكن من لغة أجنبية أخرى، حيث أصبحت ضرورة في سوق العمل بصفة عامة، وليس الصحافة فقط. كما أن امتلاك الصحافي للثقافة الإلكترونية ضروري جدا، لأن أهم ما يميزه الإلمام بأدوات ومحركات البحث، والحصول على المعلومات والبيانات من مصادرها المناسبة، ومعرفة تطبيقات المحمول وبرامج الكمبيوتر من فوتوشوب وإكسل ومونتاج وتطويعها لتخدم صحافة الويب، بالإضافة إلى صناعة الإنفوغرافيكس التي أصبحت مطلوبة بشكل كبير. إن الكتابة الجيدة للصحافة الرقمية أو صحافة الإنترنت تعتمد بشكل أساسي على ما يعرف بالاقتصاد في اللغة، أي لغة (ما قل ودل)، وهو مبدأ تحتمه طبيعة الإنترنت كوسيلة، ونوعية الجمهور المستهلك لمحتوى الصحافة الرقمية. والاقتصاد في اللغة مبدأ مطلوب في الكتابة لجميع وسائل الاتصال، ذلك أن المساحة في الصحف تقتضي ذلك، كذلك الحال بالنسبة إلى الزمن الممنوح لخبر معين في الإذاعة أو التلفزيون. كما أن العديد مما يعرف بأدلة التحرير الصادرة من مختلف المؤسسات الإعلامية الكبرى حرصت على وضع أسس واضحة لكتابة النصوص الخاصة بالصحافة الرقمية، ومعظم هذه الموجهات تركز بشكل أساسي على ضرورة الاختصار عند الكتابة لصحافة الإنترنت، والاختصار المقصود هنا ليس مجرد تقليل عدد كلمات النص فحسب، وإنما المقصود به أن يكون التركيز منصبا في الأساس على التكثيف المفيد للقارئ. ويقع الكثير من الصحافيين في مأزق استخدام اللغة التخصصية في قصصهم الإخبارية، مرة بمبرر ضغط العمل وفي مرات كثيرة بسبب الكسل في البحث عن المعنى المباشر الذي يجب أن يقدم للقراء بدلا عن إدخالهم في حيرة البحث بأنفسهم عن المعنى المراد. والأهم في رأيي ضرورة أن يتعرف الصحافي وبشكل مفصل على جمهور الأونلاين وخصائصه، وهذه المعرفة هي التي تتيح لكاتب النصوص الخاصة بالصحافة الرقمية ولمنتجي المحتوى الرقمي عامة أن يخرج بمادة تتوافق مع طبيعة هذا الجمهور. إن الكثير من الصحافيين يسلكون طريق التحدي المشروع في الحصول على السبق الصحافي لبرهنة مهنيتهم واحترافيتهم داخل مؤسستهم محلية كانت أو عالمية. في ظل وجود صحافة المواطن التي شكلت عائقا كبيرا للبعض، خاصة من أجل الحصول على السبق الصحافي، أصبحت قدرة الصحافي في معرفة المعلومة وسرعة لملمة عناصر الخبر ومصادره الموثوقة وإرسالها للمؤسسة عملا مضنيا تقابله سرعة انتشار الخبر سواء عبر مواطن صحافي استطاع نقل المعلومة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي. خلاصة القول، إن صحافي اليوم يواجه تحديا كبيرا في مجال التحرير الصحافي الرقمي، وهو تحد مركب لا يرتبط فقط بمهاراته الصحافية كما كان سابقا، وإنما يرتبط بثقافته الإلكترونية، وبرامجها التقنية الإعلامية، وتطبيقاتها المختلفة مثل إنستغرام، سناب شات وواتس آب وغيرها، واكتسابه للمهارات الكتابية الرقمية التي ينبغي أن تتلاءم مع رؤية العصر الرقمي. نعم …ليس هناك أي أمر لم تغيره الصحافة الحديثة، إلا أنّ الثابت هو أنّ الكتابة الحديثة الجيدة تترافق مع رؤية الصحافي المتعدد المهام! مثلما هي مسؤولية كليات الإعلام في إعداد المهارات الإعلامية الحديثة لطلبتها، والمتوافقة مع العصر الرقمي وسوق العمل الإعلامي الجديد. أستاذ بكلية الإعلام جامعة عجماند. ياس خضير البياتي
مشاركة :